قوله تعالى: ﴿كَدَأْبِ﴾ : قال قومٌ: «هو تكريرٌ للأول». وقال قوم: كُرِّر لغير تأكيد لوجوهٍ منها: أن الأول دَأْبٌ في أن هلكوا لمَّا كفروا، وهذا دَأْبٌ في أَنْ لم يغير الله نعمتهم حتى غَيَّروها هم، قاله ابن عطية. ومنها: أن الثاني جارٍ مجرى التفصيل الأول فإن الأولَ متضمِّنٌ لذِكْرِ إجرامهم والثاني متضمِّنٌ لذكر إغراقهم، وفي الأولى ما يَنْزِل بهم حالَ الموت من العقوبة، وفي الثاني ما يَحُلُّ بهم من العذاب في الآخرة، وجاء في الأولى بآيات الله إشارةً إلى إنكارِ ذِكْر دلائلِ الإِلهيَّة. وفي الثاني بآيات ربهم إشارةً إلى إنكارهم مَنْ رَبَّاهم وأحسنَ إليهم. وقال الكرماني: «يُحتمل أن يكون الضمير في» كفروا «في الآية الأولى عائداً على قريش، والضمير في» كذَّبوا «في الثانية عائداً على آلِ فرعون ومَنْ ذُكِر معهم».
قوله: ﴿وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ﴾ جُمِع الضميرُ في «كانوا» وجُمع «ظالمين» مراعاةً لمعنى «كل» ؛ لأنَّ «كلاً» متى قُطعت عن الإِضافة جاز مراعاةُ لفظِها تارةً ومعناها أخرى، وإنما اختير هنا مراعاةُ المعنى لأجلِ الفواصلِ، ولو رُوعي اللفظُ فقيل مثلاً: وكلٌّ كان ظالماً لم تتَّفق الفواصل.
قوله تعالى: ﴿الذين عَاهَدْتَّ﴾ : يجوز فيه أوجه، أحدها: الرفعُ على البدل من الموصولِ قبلَه أو على النعت له، أو على عطف البيان، أو النصبُ على الذم، أو الرفعُ على الابتداء، والخبرُ قولُه: «فإمَّا تَثْقَفَنَّ» بمعنى: مَنْ تعاهد منهم أي من الكفار ثم ينقضون عهدهم، فإن ظفِرْتَ بهم فاصنعْ كيت وكيت، فدخلت الفاءُ في الخبر لشبه المبتدأ بالشرط، وهذا ظاهر كلام ابن عطية. و «منهم» يجوز أن يكون حالاً من عائد الموصول