مِنْ ﴿كُلِّ شَيْطَانٍ﴾ فيكون محلُّه الجرَّ، قاله الحوفي وأبو البقاء. وفيه نظر؛ لأن الكلامَ موجَبٌ. الرابع: أنه نعتٌ ل ﴿كُلِّ شَيْطَانٍ﴾، فيكونُ محلُّه الجرَّ على خلافٍ في هذه المسألة. الخامس: أنه في محلِّ رفعٍ بالابتداء، وخبرُه الجملةُ مِنْ قولِه «فأَتْبعه». وإنما دَخَلَتِ الفاءُ لأنَّ «مَنْ» : إمَّا شرطيةٌ، وإمَّا موصولةٌ مُشَبَّهَةٌ بالشرطية، قاله أبو البقاء، وحينئذ يكونُ من بابِ الاستثناء المنقطع.
والشِّهاب: الشٌُّعْلَةُ من النار، وسُمِّي بها الكوكبُ لِشِدَّة ضوئِه وبَرِيْقِهِ، ويُجمع على شُهُب في الكثرة، وأَشْهِبَة. والشُّهْبَةُ: بياضٌ مختلِط بسوادٍ تشبيهاً بالشهاب لاختلاطِه بالدخان، ومنه كتيبةٌ شَهْباءُ لسوادِ القوم وبياضِ الحديد، ومِنْ ثَمَّ غَلِط الناسُ في إطلاقهم الشُّهْبَةَ على البياضِ الخالِص.
قوله تعالى: ﴿والأرض مَدَدْنَاهَا﴾ :«الأرض» نصبٌ على الاشتغالِ، ولم يُقرأ بغيرِه؛ لأنه راجحٌ مِنْ حيث العطفُ على جملةٍ فعليةٍ قبلها، وهي قوله ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السماء بُرُوجاً﴾ [الحجر: ١٦].
قال الشيخ: «ولمَّا كانَتْ هذه الجملةُ بعدها جملةً فعليةً كان النصبُ ارجحَ مِنَ الرفع» قلت: لم يَعُدُّوا هذا من القرائن المرجَّحة للنصب، إنما عَدُّوا عطفَها على جملةٍ فعليةٍ قبلَها لا عطفَ جملةٍ فعليةٍ عليها، ولكنه القياسُ، إذ تُعْطَفُ فيه فعليةٌ على مثلِها بخلافِ ما لو رَفَعْتَ، إذ تَعْطِفُ فعليةً على اسميةٍ، لكنهم لم يعتبروا ذلك والضميرُ في «فيها» للأرض. وقيل: للرواسي. وقيل: لهما.


الصفحة التالية
Icon