من غير قَطْع نَفَسٍ، إشْعاراً بأنَّ «قَيِّماً» ليس متصلاً ب «عِوَجاً»، وإنما هو مِنْ صفةِ الكتاب. وغيرُه لم يَعْبَأْ بهذا الوهمِ فلم يسكتْ اتِّكالاً على فَهْمِ المعنى.
قلت: قد يتأيَّد ما فعله حفصٌ بما في بعضِ مصاحفِ الصحابةِ: «ولم يَجْعَلْ له عِوَجاً، لكنْ جَعَلَه قيَّماً». وبعض القراء يُطْلِقُ فيقول: يَقِف على «عِوَجا»، ولم يقولوا: يُبدل التنوين ألفاً، فيُحْتمل ذلك، وهو أقربُ لغرضِه فيما ذكرْتُ.
ورَأيْتُ الشيْخَ شهابَ الدين أبا شامة قد نقل هذا عن ابنِ غلبون وأبي علي الأهوازيِّ، أعني الإِطلاقَ. ثم قال: «وفي ذلك نَظَرٌ - أي على إبدالِ التنوين ألفاً - فإنه لو وَقَفَ على التنوين لكان أَدَلَّ على غرضِه، وهو أنه واقفٌ بنيَّةِ الوصلِ».
انتهى.
وقال الأهوازيُّ: «ليس هو وَقْفاً مختاراً، لأنَّ في الكلامِ تقديماً وتأخيراً، معناه: أَنْزَلَ على عبدِه الكتاب قيِّماً ولم يَجْعَلْ له عِوَجاً». قلت: دَعْوى التقديمِ والتأخيرِ وإنْ كان قاله به غيرُه، إلا أنها مَرْدودةٌ بأنَّها على خلافِ الأصل، وقد تقدَّم تحقيقُه.
وفَعَلَ حفص في مواضعَ من القرآن مثلَ فِعْلِهِ هنا مِنْ سكتةٍ لطيفةٍ نافيةٍ لوَهْمٍ مُخِلٍّ. فمنها: أَنَّه كان يقفُ على «مَرْقَدِنا»، ويَبْتدئ: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن﴾ [يس: ٥٢]. قال: «لئلا يُتَوَهَّمَ أنَّ» هذا «صفةٌ ل» مَرْقَدِنا «فالوقفُ