مِنْ «الأولى للتبيين، والثانيةَ للتبعيض، تقديرُه: مُغْنون عنا بعضَ الشيءِِ الذي هو عذابُ الله، قاله الزمخشري. قال الشيخ:» هذا يقتضي التقديمَ في قوله «مِن شَيْءٍ» على قوله ﴿مِنْ عَذَابِ الله﴾ ؛ لأنه جَعَلَ ﴿مِن شَيْءٍ﴾ هو المُبَيِّنَ بقولِهِ من عذاب، و «مِنْ» التبيينيةُ مقدَّمٌ عليها ما تُبَيِّنه ولا يتأخَّر «. قلتُ: كلامُ الزمخشري صحيحٌ من حيث المعنى، فإنَّ ﴿مِنْ عَذَابِ الله﴾ لو تأخَّر عن» شيء «كان صفةً له ومُبَيِّناً، فلمَّا تقدَّم انقلب إعرابُه من الصفة إلى الحال، وأمَّا معناه وهو البيانُ فباقٍ لم يتغيَّرْ.
الثاني: أن تكونا للتبعيضِ معاً بمعنى: هل أنتم مُغْنُوْن عنا بعضَ شيءٍ هو بعضُ عذابِ الله؟ أي: بعض عذاب الله، قاله الزمخشري. قال الشيخ:»
وهذا يقتضي أن يكونَ بدلاً، فيكونَ بدلَ عامٍّ مِنْ خاص، وهذا لا يُقال؛ فإنَّ بَعْضِيَّةِ الشيء مطلقةٌ، فلا يكون لها بعضٌ «. قلت: لا نزاعَ أنه يقالُ: بعضُ البعض، وهي عبارةٌ متداولةٌ، وذلك البعضُ المُتَبَعِّضُ هو كلُّ لأبعاضِه بعضٌ لكلِّه، وهذا كالجنسِ المتوسط هو نوعٌ لِما فوقَه، جنسٌ لِما تحته.
الثالث: أنَّ»
مِنْ «في ﴿مِن شَيْءٍ﴾ مزيدةٌ، و» مِنْ «في ﴿مِنْ عَذَابِ﴾ فيها وجهان، أحدُهما: أن تتعلَّقَ بمحذوفٍ لأنها في الأصل صفةٌ لشيء، فلمَّا تقدَّمَتْ نُصِبت على الحال. والثاني: أنها تتعلَّق بنفس» مُغْنُوْنَ «على أن يكون» من شيء «واقعاً موقعَ المصدر، أي: غِنى. ويوضح هذا ما قاله


الصفحة التالية
Icon