متعدياً، ولذلك حَكَم بزيادةِ» مِنْ «في الواجبِ. وليس مذهبَ البصريين. وينبغي على هذا التقديرِ أَنْ لا يجوزَ؛ لأنه لا يُحْفَظُ بهذا المعنى إلاَّ لازِماً، فإنْ كان بهذا المعنى كانَتْ» مِنْ «للسببِ أي: بلباسِ أساورِ الذهبِ يَحْلَوْن بعينِ مَنْ رآهم، أي: يحلى بعضُهم بعينِ بعضٍ».
قلت: وهذا الذي نقله عن أبي الفضلِ قاله أبو البقاء، وجَوَّز في مفعولِ الفعلِ وجهاً آخرَ فقال: «ويجوزُ أن يكونَ مِنْ حَلِيَ بعيني كذا إذا حَسُن، وتكونُ» مِنْ «زائدةً أو يكونُ المفعولُ محذوفاً، و» مِنْ أساورَ «نعتٌ له». فقد حكمَ عليه بالتعدِّي ليس إلاَّ، وجَوَّز في المفعول الوجهَيْن المذكورَيْن.
الثالث: أنَّه مِنْ حَلِيَ بكذا إذا ظَفِرَ به، فيكونُ التقديرُ: يَحْلَوْن بأساورَ. ف «مِنْ» بمعنى الباء. ومِنْ مجيءِ حَلِيَ بمعنى ظَفِرَ قولُهم: لم يَحْلَ فلانٌ بطائلٍ أي: لم يظفرْ به. واعلم أنَّ حَلِي بمعنى لبس الحلية، أو بمعنى ظَفِر من مادةِ الياءِ لأنهما مِن الحِلْيَةِ. وأمَّا حَلِيَ بعيني كذا فإنه من مادة الواو لأنه من الحلاوة، وإنما قلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها.
قوله: ﴿مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾ في «مِنْ» الأولى ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أنها زائدةٌ، كما تقدَّم تقريره عن الرازي وأبي البقاء. وإن لم يكنْ مِنْ أصولِ البصريين. والثاني: أنَّها للتعبيضِ أي: بعض أساور. والثالث: أنها لبيانِ الجنسِ، قاله ابن عطية، وبه بدأ. وفيه نظرٌ إذ لم يتقدَّمْ شيءٌ مبهمٌ. وفي «مِنْ ذهب» لابتداءِ الغايةِ، هي نعتٌ لأساورَ كما تقدَّم.
وقرأ ابن عباس «مِنْ أَسَوِرَ» دونَ ألفٍ ولا هاءٍ، وهو محذوفٌ مِنْ «