وقرأه العامَّةُ بالرفعِ على ما تقدَّم. وقرأ الحسن بن عبد العزيز وعيسى الثقفي وعيسى الكوفي ومجاهدٌ وأبو حيوة في آخرين «سورةً» بالنصبِ. وفيها أوجهٌ، أحدها: أنها منصوبةٌ بفعلٍ مقدرٍ غير مفسَّرٍ بما بعدَه. تقديره: اتْلُ سورةً أو اقرأ سورةً. والثاني: أنها منصوبةٌ بفعلٍ مضمرٍ يُفَسِّره ما بعده. والمسألةُ من الاشتغال. تقديرُه: أَنْزَلْنا سورةً أنزلناها. والفرقُ بين الوجهين: أنَّ الجملةَ بعد «سورةً» في محلِّ نصبٍ على الأول، ولا محلَّ لها على الثاني. الثالث: أنها منصوبةٌ على الإِغراء، أي: دونَكَ سورةً. قال الزمخشري، ورَدَّه الشيخُ: بأنه لا يجوزُ حَذْفُ أداة الإِغْراءِ، واستشكل الشيخُ أيضاً على وجهِ الاشتغالِ جوازَ الابتداءِ بالنكرةِ من غيرِ مُسَوِّغٍ. ومعنى ذلك: أنه ما مِنْ مَوْضع يجوز [فيه] النصبُ على الاشتغالُ إلاَّ ويجوز أن يُرْفَعَ على الابتداءِ، وهنا لو رُفِعَتْ «سورة» بالابتداءِ لم يَجُزْ؛ إذ لا مُسَوِّغٍ. فلا يُقال: رجلاً ضربتُه لامتناعهِ: رجلٌ ضربتُه. ثم أجاب: بأنه إنْ اعتُقد حَذْفُ وصفٍ جاز، أي: سورة مُعَظَّمة أو مُوَضَّحة أَنْزَلْناها، فيجوزُ ذلك.
الرابع: أنَّها منصوبةٌ على الحال مِنْ «ها» في «أَنْزِلْناها». والحالُ من المكنى يجوز أن تتقدَم عليه. قاله الفراء. وعلى هذا فالضميرُ في «أَنْزَلْناها» ليس عائداً على سورة بل على الأحكام. كأنه قيل: أَنْزلنا الأحكامَ سورةً مِنْ سُوَرِ القرِآن، فهذه الأحكامُ ثابتةٌ بالقرآنِ، بخلافِ غيرِها فإنَّه قد ثَبَتَتْ بالسُّنة.


الصفحة التالية
Icon