الشهادةِ عقيبَ الجَلْدِ على التأبيد، وكانوا مردودي الشهادة عندَه في أَبَدِهم وهومدةُ حياتِهم، وجعل قولَه ﴿وأولئك هُمُ الفاسقون﴾ كلاماً مستأنفاً غيرَ داخلٍ في حَيِّزِ جزاءِ الشرط، كأنه حكايةُ حالِ الرامين عند الله بعد انقضاءِ الجملةِ الشرطيةِ، و ﴿إِلاَّ الذين تَابُواْ﴾ استثناءٌ من» الفاسقين «. ويَدُلُّ عليه قولُه: ﴿فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾. والشافعيُّ رحمه الله جَعَل جزاءَ الشرطِ الجملتين أيضاً، غيرَ أنه صَرَفَ الأبدَ إلى مدةِ كونهِ قاذفاً وهي تنتهي بالتوبة [والرجوع] عن القذف، وجعل الاستثناء بالجملةِ الثانية متعلقاً». انتهى، وإنما ذكرتُ الحكمَ؛ لأنَّ الإِعرابَ متوقفٌ عليه.
ومَحَلُّ المستثنى فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه منصوبٌ على أصلِ الاستثناء. الثاني: أنه مجرورٌ بدلاً من الضمير في «لهم» وقد أوضح الزمخشري ذلك بقولِه «وحَقُّ المستثنى عنده أي الشافعي أن يكونَ مجروراً بدلاً مِنْ» هم «في» لهم «، وحقُّه عند أبي حنيفة أن يكونَ منصوباً؛ لأنه عن مُوْجَبٍ. والذي يقتضيه ظاهرُ الآيةِ ونظمُها أن تكونَ الجملُ الثلاثُ بمجموعِهِنَّ جزاءَ الشرط كأنه قيل: ومَنْ قَذَفَ المُحْصناتِ فاجْلِدوهم، ورُدُّوا شهادتَهم وفَسِّقوهم أي: فاجْمَعُوا لهم الجَلْدَ والردَّ والتفسيقَ، إلاَّ الذين تابوا عن القَذْفِ وأصلحوا فإنَّ اللهَ يغفرُ لهم فينقلبون غيرَ مجلودِين ولا مَرْدودين ولا مُفَسَّقين». قال الشيخ: «وليس ظاهرُ الآية يقتضي عَوْدَ الاستثناءِ إلى الجملِ الثلاثِ، بل الظاهرُ/ هو ما يَعْضُده كلامُ العرب وهو الرجوعُ إلى الجملةِ التي تَليها».