ولا يَضُرُّ الفصلُ بينهما بالتوكيدِ. وهذه الجملةُ يُحتمل أَنْ تكونَ معطوفةً على الصلةِ داخلةً في حَيِّزِ الموصولِ، وحينئذٍ يكون قد غايَرَ بين الصلتين لمعنىً: وهو أنَّه لَمَّا كان إقامةُ الصلاةِ وإيتاءُ الزكاةِ ممَّا يتكرَّرُ ويتجدَّدُ أتى بالصلتين جملةً فعليةً فقال: «يُقيمون» و «يُؤْتُون». ولمَّا كان الإِيقانُ بالآخرةِ أمراً ثابتاً مطلوباً دوامُه أتى بالصلةِ جملةً اسميةً مكَّرراً فيها المسندُ إليه مُقَدَّماً فيها المُوْقَنُ به الدالُّ على الاختصاصِ ليدلَّ على الثباتِ والاستقرارِ. وجاء بخبرِ المبتدأ في هذه الجملةِ فعلاً مضارعاً، دلالةً على أنَّ ذلك مُتَجَدِّدٌ كلَّ وقتٍ غيرُ منقطعٍ. ويُحتمل أَنْ تكونَ مستأنفةً غيرَ داخلةٍ في حَيِّز الموصولِ.
قال الزمخشري: «ويُحتمل أَنْ تَتِمَّ الصلةُ عنده» أي: عند قولِه: «وهم». قال «وتكونُ الجملةُ اعتراضيةً» يريد أنَّ الصلةَ تَمَّتْ عند «الزكاةِ» فيجوزُ في ذلك. وإلاَّ فكيف يَصِحُّ إذا أخَذْنا بظاهرِ كلامِه أنَّ الصِّلةَ تَمَّتْ عند قولِه «وهم» ؟ وتسميتُه هذا اعتراضاً يعني من حيث المعنى، وسياقُ الكلام، وإلاَّ فالاعتراضُ في الاصطلاحِ لِما يكون بين متلازِمَيْنِ من مبتدأ وخبرٍ، وشرطٍ وجزاءٍ، وقَسَمٍ وجوابِه، وتابعٍ ومتبوعٍ، وصلةٍ وموصولٍ، وليس هنا شيءٌ من ذلك.
قوله: ﴿الأخسرون﴾ في أَفْعَل قولان، أحدهما: وهو الظاهرُ أنَّها على بابِها من التفضيل، وذلك بالنسبةِ إلى الكفَّار من حيث اختلافُ الزمانِ والمكانِ. يعني: أنَّهم أكثرُ خُسْراناً في الآخرةِ منهم في الدنيا، أي: إنَّ خُسْرانَهم في الآخرة أكثرُ من خُسْرانِهم في الدنيا. وقال جماعةٌ منهم الكرماني: «هي هنا للمبالغةِ لا للشِّرْكة؛ لأن المؤمنَ لا خُسْران له في الآخرةِ البتة». وقد تقدَّم جوابُ ذلك: وهو أنَّ الخسرانَ راجعٌ إلى شيءٍ واحدٍ. باعتبارِ اختلافِ زمانهِ ومكانِه.


الصفحة التالية
Icon