قوله: ﴿فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ﴾ : أي: فلمَّا جاء الرسولُ، أضمرَه لدلالةِ قَولِها «مُرْسِلَةٌ» فإنه يَسْتَلْزِمُ رسولاً. والمرادُ به الجنسُ لا حقيقةُ رسولٍ واحدٍ بدليلِ خطابِه لهم بالجمع في قوله: «أتُمِدُّونَنِ» إلى آخره. ولذلك قرأ عبد الله «فلمَّا جْاؤُوا» وقرأ «فارْجِعوا» إليهم اعتباراً بالأصلِ المشارِ إليه.
قوله: ﴿أَتُمِدُّونَني﴾ استفهامُ إنكارٍ. وقرأ حمزةُ بإدغام نونِ الرفع في نونِ الوقايةِ. وأمَّا الياءُ فإنه يَحْذِفُها وقفاً ويُثْبِتُها وصلاً على قاعدتِه في الزوائد. والباقون بنونَيْنِ على الأصل. وأمَّا الياءُ فإنَّ نافعاً وأبا عمروٍ كحمزةَ يُثْبِتانها وصلاً ويَحْذِفانها وَقْفاً، وابنُ كثيرٍ يُثْبِتُها في الحالَيْن، والباقون يَحْذِفونها في الحالَيْن. ورُويَ عن نافعٍ أنه يَقْرأ بنونٍ واحدة، فتكمَّلَتْ ثلاثُ قراءات، كما في ﴿تأمروني أَعْبُدُ﴾ [الزمر: ٦٤].
قال الزمخشري: «فإن قلتَ ما الفرق بين قولِك: أتُمِدُّونني بمال وأنا أَغْنى منكم، وبين أَنْ تقولَه بالفاء؟
قلت: إذا قلتُه بالواوِ فقد جَعَلْتُ مخاطَبي عالماً بزيادتي عليه في الغِنَى، وهو مَعَ ذلك يَمُدُّني بالمال. وإذا قُلْتُه بالفاءِ فقد جَعَلْتُه مِمَّن خَفِي عليه حالي، وإنما أُخْبِره الساعةَ بما لا أَحْتاجُ معه إلى إمدادهِ كأني أقولُ: أُنْكِرُ عليك