لأحوالِهم، وَصَفَهم أولاً بأنهم لا يَشْعُرون وقتَ البعثِ ثم بأنَّهم لا يعلمون أنَّ القيامةَ كائنةٌ ثم بأنَّهم يَخْبِطُون في شكٍّ ومِرْيَة». انتهى.
فإنْ قِيل: «عَمِيَ» يتعدى ب «عن» تقول: عَمِيَ فلانٌ عن كذا فلِمَ عُدِّيَ ب «مِنْ» في قولِه: «مِنْها عَمُوْن» ؟ فالجوابُ: أنه جَعَلَ الآخرةَ مَبْدأ عَماهم ومَنْشَأَه.
قوله: ﴿أَإِذَا﴾ : قد تقدَّم الكلامُ في الاستفهامين إذا اجتمعا في سورةِ الرعدِ وتحقيقُه. والعاملُ في «إذا» محذوفٌ يَدُلُّ عليه «لَمُخْرَجُون» تقديره: نُبْعَثُ ونَخْرُجُ. ولا يجوزُ أَنْ يعملَ فيها «مُخْرَجُون» لثلاثةِ موانَع: الاستفهامِ، و «إنَّ»، ولامِ الابتداءِ. وفي لامِ الابتداء في خبر «إنَّ» خلافٌ. وتكايَسَ الزمخشري هنا فعَبَّر بعبارةٍ حُلْوة فقال: لأنَّ بينَ يَدَيْ عَمَلِ اسمِ الفاعل فيه عِقاباً، وهي: همزةُ الاستفهام وإنَّ ولامُ الابتداء، وواحدةٌ منها كافيةٌ فكيف إذا اجتمَعْنَ؟ «. وقال أيضاً:» فإنْ قُلْتَ: قَدَّم في هذه الآيةِ «هذا» على ﴿نَحْنُ وَآبَآؤُنَا﴾ وفي آيةٍ أخرى قَدَّم ﴿نَحْنُ وَآبَآؤُنَا﴾ على «هذا» !! قلتُ: التقديمُ دليلٌ على أنَّ المُقَدَّمَ هو المَعْنِيُّ المعتمدُ بالذِّكْرِ، وأنَّ الكلامَ إنما سِيْق لأجلِه، ففي إحدى الآيتين دَلَّ على أنَّ إيجادَ البعثِ هو الذي تُعُمِّد بالكلام، وفي الأخرى على إيجاد المبعوث بذلك الصدد «.


الصفحة التالية
Icon