فأنتم مُسْتَوُوْن معهم فيما رَزَقْناكم، خائفوهم كخَوْفِ بعضِكم بعضاً أيها السادة. والمرادُ نَفْيُ الأشياء الثلاثة أعني الشِّرْكةَ والاستواءَ مع العبيد وخوفَهم إياهم. وليس المرادُ ثبوتَ الشركة ونَفْيَ الاستواءِ والخوفِ، كما هو أحدُ الوجهين في قولك: «ما تأتينا فتحدِّثَنا» بمعنى: ما تأتينا مُحدِّثاً بل تأتينا ولا تحدثنا، بل المرادُ نفيُ الجميع كما تقدَّم.
وقال أبو البقاء: ﴿فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ﴾ الجملةُ في موضع نصبٍ على جوابِ الاستفهامِ أي: «هل لكم فَتَسْتَوُوا» انتهى. وفيه نظرٌ؛ كيف جَعَل جملةً اسمية حالَّةً محلَّ جملةٍ فعلية، ويَحْكمُ على موضع الاسمية بالنصب بإضمارِ ناصبٍ؟ هذا ما لا يجوزُ ولو أنه فَسَّر المعنى وقال: إنَّ الفعلَ لو حَلَّ بعدَ الفاءِ لكان منصوباً بإضمار «أن» لكان صحيحاً. ولا بُدَّ أَنْ يُبَيَّنَ أيضاً أنَّ النصبَ على المعنى الذي قَدَّمْتُه مِنْ نَفْيِ الأشياءِ الثلاثة.
والوجه الثاني: أنَّ «تخافونهم» في محلِّ نصبٍ على الحال من ضمير الفاعل/ في «سَواء» أي: فتساوَوْا خائِفاً بعضُكم بعضاً مشاركتَه له في المال. أي: إذا لم تَرْضَوا أن يشارِكَكم عبيدُكم في المال فكيف تُشرِكون بالله مَنْ هو مصنوعٌ له؟ قاله أبو البقاء.
وقال الرازي معنى حسناً، وهو: «أنَّ بين المَثَلِ والمُمَثَّلِ به مشابهةً ومخالفةً.
فالمشابهةُ معلومةٌ، والمخالفةُ مِنْ وجوه: قوله: «مِنْ أنفسكم» أي: مِنْ نَسْلِكم مع حقارةِ الأنفس ونَقْصِها وعَجْزِها، وقاسَ نفسَه عليكم مع جلالتِها وعظمتِها وقُدْرَتِها. قوله: ﴿مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ أي: عبيدِكم والمِلْكُ طارئ