قوله: ﴿فَإِنَّ الإنسان﴾ : مِنْ وقوعِ الظاهرِ مَوْقِعَ المضمرِ أي: فإنَّه كفورٌ. وقَدَّر أبو البقاء ضميراً محذوفاً فقال: «فإنَّ الإِنسانَ منهم».
قوله: ﴿ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً﴾ : حالٌ، وهي حالٌ لازمةٌ، وسَوَّغ مجيْئَها كذلك: أنَّها بعدما يجوزُ أَنْ يكونَ الأمرُ على خلافه؛ لأنَّ معنى «يُزَوِّجُهم» يَقْرِنُهم. قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: لِمَ قَدَّم الإِناثَ أولاً على الذكورِ مع تقديمِهم عليهنَّ، ثم رَجَعَ فقدَّمَهم؟ ولِمَ عَرَّف الذكورَ بعدما نَكَّر الإِناثَ؟ قلت: لأنَّه ذكر البلاءَ في آخر الآية الأولى، وكفرانَ الإِنسان بنسيانِه الرحمةَ السابقةَ، ثم عَقَّبَ بذِكْر مُلْكِه ومشيئتِه وذكرَ قسمةَ الأولادِ فقدَّم الإِناثَ؛ لأنَّ سياق الكلامِ أنه فاعلُ ما يشاءُ لا ما يشاؤه الإِنسانُ، فكان ذِكْرُ الإِناثِ التي مِنْ جملة ما لا يَشاؤه الإِنسانُ أهمَّ، والأهمُّ واجبُ التقديمِ، ولِيَليَ الجنسَ الذي كانت العربُ تَعُدُّه بلاءً، ذكر البلاء، وأخَّر الذكورَ، فلمَّا أَخّرهم تدارَك تأخيرَهم وهم أَحِقَّاءُ بالتقديم بتعريفَهم؛ لأنَّ تعريفَهم فيه تَنْويهٌ وتشهيرٌ، كأنه قال: ويَهَبَ لمَنْ يشاءُ الفرسانَ الأعلامَ المذكورين الذين لا يَخْفَوْن عليكم، ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسَيْن حقَّه من التقديمِ والتأخيرِ، وعَرَّفَ أنَّ تقديمَهن لم يكُنْ لتقدُّمِهنَّ ولكنْ لمقتضٍ آخر، فقال: ذُكْراناً وإناثاً، كما قال: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى﴾ [الحجرات: ١٣] ﴿فَجَعَلَ مِنْهُ الزوجين الذكر والأنثى﴾ [القيامة: ٣٩].


الصفحة التالية
Icon