أُكِّد نحو: «مررتُ بك أنت وزيدٍ» يُشير بذلك إلى مذهب الجرميِّ فإنَّه يقول: إن أُكِّد جازَ، وإلاَّ فلا، فقولُه مذهبٌ ثالثٌ.
قوله: ﴿آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ و ﴿آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ قرأ «آياتٍ» بالكسر في الموضعَيْن الأخوَان، والباقون برفعهما. ولا خلافَ في كسرِ الأولى لأنها اسمُ «إنَّ». فأمَّا ﴿آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ بالكسر فيجوزُ فيها وجهان، أحدهما: أنها معطوفةٌ على اسم «إنَّ»، والخبرُ قولُه: «وفي خَلْقِكم». كأنه قيل: وإنَّ في خَلْقِكم وما يَبُثُّ مِنْ دابة آياتٍ. والثاني: أَنْ تكونَ كُرِّرَتْ تأكيداً لآيات الأُولى، ويكونُ «في خَلْقكم» معطوفاً على «في السماوات» كُرِّر معه حرفُ الجَرِّ توكيداً. ونظيرُه أَنْ تقولَ: «إنَّ في بيتك زيداً وفي السوق زيداً» فزيداً الثاني تأكيدٌ للأول، كأنك قلت: إنَّ زيداً زيداً في بيتك وفي السوق وليس في هذه عطفٌ على معمولَيْ عاملَيْن البتةَ.
وقد وَهِم أبو البقاء فجعلها مِنْ ذلك فقال: ﴿آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ يُقرأ بكسر التاءِ، وفيه وجهان، أحدهما: أنَّ «إنَّ» مضمرةٌ حُذِفَتْ لدلالة «إنَّ» الأُولى عليها، وليسَتْ «آيات» معطوفةً على «آيات» الأولى لِما فيه من العطفِ على معمولَيْ عامليْن. والثاني: أَنْ تكونَ كُرِّرَتْ للتأكيد لأنها مِنْ لفظ «آيات» الأُوْلى، وإعرابُها كقولِك: «إن بثوبك دماً وبثوبِ زيد دماً» ف «دم» الثاني مكررٌ؛ لأنَّك مُسْتغنٍ عن ذِكْرِه «انتهى.