لقولِهم وهم لا يُفْتنون، وهذا كلامٌ لا يَصِحُّ. وأمَّا ما مَثَّله به من البيت فإنه يَصِحُّ أن يكون» جَزَرَ السِّباع «مفعولاً ثانياً ل تَرَكَ بمعنى صَيَّر، بخلاف ما قَدَّر في الآية. وأمَّا تقديرهُ تَرَكهم غيرَ مفتونين لقولهم [آمَنَّا] على تقديرِ حاصل ومستقر قبل اللام فلا يَصِحُّ إذا كان تركُهم بمعنى تصييرهم، وكان غيرَ مفتونين حالاً؛ إذ لا يَنْعَقِد مِنْ تَرْكِهم بمعنى تصييرِهم وَتَقَوُّلِهم مبتدأٌ وخبرٌ، لاحتياجِ تَرْكِهم بمعنى تصييرِهم إلى مفعولٍ ثانٍ لأنَّ غيرَ مفتونين عنده حالٌ لا مفعولٌ ثانٍ.
وأمَّا قولُه: فإنْ قلت: أَنْ يقولوا إلى آخره فيحتاج إلى فَضْلِ فَهْمٍ: وذلك أنَّ قولَه: «أَنْ يقولوا»
هو علةُ تَرْكِهم فليس كذلك؛ لأنه لو كان علةً له لكان به متعلقاً كما يتعلَّقُ بالفعلِ، ولكنه علةٌ للخبرِ المحذوفِ الذي هو مستقر أو كائن، والخبرُ غيرُ المبتدأ، ولو كان «لقولِهم» علةً للترك لكان مِنْ تمامِه فكان يحتاج إلى خبرٍ. وأمَّا قولُه كما تقول: خروجُه لمخافةِ الشرِّ ف «لمخافة» ليس علةً للخروجِ بل للخبر المحذوف الذي هو مستقرٌّ أو كائن «انتهى.
قلت: وهذا الذي ذكره الشيخُ كلُّه جوابُه: أنَّ الزمخشريَّ إنما نظر إلى جانب المعنى، وكلامُه عليه صحيحٌ. وأمَّا قولُه: ليس علةً للخروج ونحو ذلك يعني في اللفظ. وأمَّا في المعنى فهو علةٌ له قطعاً، ولولا خَوْفُ الخروج عن المقصود.
قوله: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُواْ﴾ : العامَّةُ على فتح الياء مضارعَ «عَلِم» المتعديةِ لواحد. كذا قالوا. وفيه إشكالٌ تقدَّمَ غيرَ مرةٍ: وهو أنها إذا تَعَدَّتْ لمفعولٍ كانَتْ بمعنى عَرَفَ. وهذا المعنى لا يجوز إسنادُه إلى الباري تعالى؛ لأنه يَسْتَدعي سَبْقَ جهلٍ؛ ولأنه يتعلَّقُ بالذاتِ فقط دون ما هي عليه من الأحوالِ.


الصفحة التالية
Icon