ولم تضع نفسك موضع العبيد الذين لا يشاقون الله في الأحكام بما يتصور لهم في الأوهام، ويعلمون أن كل ما أمر ونهى وختم وقضى حق وعدل منتظم فصل، عرفوه أم لم يعرفوه، والإيمان به واجب، واستعماله لازم من غير فكر في كيفيته ولا اشمئزاز في تلونه، معولين فيه على قوله (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ).
دعوى:
وفي قوله: (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١١١)
دليل على أن كل مدعي دعوى، محتاج إلى تثبيتها وإقامة البرهان عليها، ثم لا يقبل ذلك البرهان، إلا أن يكون مأخوذا عن الله - جل وتعالى - لقوله في الآية التي قبل هذه حيث ادعى القوم أن لا تمسهم النار إلا أياما معدوة: (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨٠).
فلم يصحح لهم دعواهم إلا بعهد لهم يكون عنده، أو ضمان يسبق
منه لهم، ليكون الارتياب زايله عن صحتها ومحققا لها.