ولنا عليهم في قبول التوبة عند الموت حجة أخرى واضحة وهي إجماع الناس كافة على أن من أسلم من الكفار عند الموت حرم ميراثه كفار ولده وورثه مسلمون ورثته وصلي عليه ودفن في مقابر المسلمين، والتوبة من الكفر أجل توبة، والكفر أعظم خطرا من الذنب، فمحال أن يقبل من أحدهما دون الآخر.
فإن شبه على أحد بأن التوبة لا تقع إلا من الذنوب، وأن تارك الكفر لا يسمى تائبا كذبه القرآن. قال الله تبارك وتعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤)
فسمى تركهم لذلك القول واستغفارهم منه توبة.
وقال أيضا: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) إِلَّا مَنْ تَابَ)، فجعل التوبة من الكفر والزنا توبة واحدة وسماها باسم واحد، فغير جائز أن يترك آيات التوبة كلها في الكفار والموحدين بلا وقت مؤقت لآية تحتمل الخصوص.