فإن قيل: أفليس كتب رسول الله - ﷺ - إلى كسرى
وقيصر وغيرهما فلزمتهم الحجة بكتابه كما لزم الحاضرين بقوله.
قيل له: نحن لم ننفِ أن الكتابة لا تفهم إفهام الكلام حتى يحتج علينا بكتاب رسول الله - ﷺ - إلى قوم، ولكنا نزعم أنها وإن أفهمت فهم الكلام فليست بكلام، وشرط الطلاق في الأصل أن لا يقع إلا على الناطق بالكلام، وليس شرط لزوم الحجة أن
لا يلزم إلا بالنطق. ألا ترى أن القرآن حجة الله على خلقه أمره أن
ينذر به الناس فقال: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ)
، فكان يتلوه - ﷺ - على الناس منذرَا به فيلزمهم به
الحجة، وليس هو كلامه، وينذر فيه الرجل متبينًا لأمره ونهيه
فيلزمه حجتهما وليس هناك نطق، وكان رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - يفعل الفعل فيلزم به الحجة، ويرى الشيء يعمل ولا