أجدر بإسقاط الحد عنه لو أسقط من القاذف الذي هو مصر على قوله.
غير نادم عليه كندم السارق على فعله برد ما أخذه.
ومن جعل للمقذوف تعطيل حد الله وإن كان وجب بسببه، أو من
جعل له أن يبطل أحدهما من السارق والقاذف بعفوه، ولم يجعل له إبطال
الآخر، ألا ترى أن الله - تبارك وتعالى - حين أراد أن يجعل السلطان في
عقوبة انتهاك محرم في الدنيا لغيره - جل جلاله - حرم القتل بقوله: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)
لم يأمر به بعقوبة في الدنيا.
ثم بين عقوبته في الآخرة: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (٩٣)، ثم جعل سلطان عقوبته في الدنيا لوليه في قوله: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ). فصار الحكم في انتهاك
محارمه على ثلاثة وجوه:
منها: ما جعل العقوبة في الدنيا عليها بيد غيره مثل هذا.
ومنها: ما جعلها لنفسه، وأمر بإقامتها ولاة الأمر مثل القذف وحد
الزنا، والسرقة والمحاربة، وشارب الخمر على لسان نبيه، صلى الله عليه
وسلم..
ومنها: ما أبهمها ولم يبين فيها شيئا مثل عقوبة المقامر بالميسر، وآكل
لحم الخنزير، والكذاب، وأشباه ذلك فهي مآثم على ما فاعلها يلقاه