وإن كان معانًا على الحسن، مقضيًا عليه بالسيء، ولو كانت الاستطاعة
مستغنية بنفسها ما عمل أحد عملاً سيئًا - أبدًا - إذ ليس يخلو العمل
السيء من أن يكون عامله عارفًا بعقوبته، أوجاهلا بها، فإن كان
جاهلاً بها فالحجة - بعد - لم تلزمه حتى يعرف عقوبة العمل الذي أمر
باجتنابه وتوعد عليه، وإن كان عالمًا بعقوبته فليس يخلو:
من أن يكون فعله له بعقل، أو غير عقل. فإن كان بغير عقل
فلا حجة عليه - أيضاً - لرفع القلم عنه، وإن كان يعقل - وهو
مستطيع لأن لا يعمله - فليس في فطرة العقول أن يهلك عاقل نفسه.
ولا يطرحها في النار.
وإن كان شاكًا في عقوبة ذنبه، لأنه لم يعاينها، فهذا بعد لم يؤمن
بالله، ولا دخل في جملة الموحدين، فضلاً عن النظر في القضاء
والقدر.
أفلا يعتبرون أنه عالم ما يُعاقَب عليه بعقل وإيقان، ولكنه لا يستطيع
الحيد عما قُضي عليه قبل خلقه، ومعرفة العدل في ذلك منفرد به خالقه
جل وعز.
ثم قال: (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا) إلى تمام قوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ)