والاستيقاد استفعال من الوقود، والوقود بالضم مصدر وقدت النار وقوداً، والوقود بالفتح الحطب، والنار معروفة، وألفها منقلبة عن واو، وأصل منافع النار خمسة:
الاستضاءة بها، والإنضاج والاصطلاء والتحليل والزجر. والإضاءة: أصله الوضوح.
يقال: ضاءت النار، وأضاءت لغتان، ويقال: جلسوا حوله وحوليه تثنية حول، وحواليه: تثنية حوال وأحواله، وهو جمع.
قال امرؤ القيس:
ألست ترى السمار والناس أحوالي
والذهاب بالشيء كالمرور به، والظلمة معروفة ونقيضها الضياء. والمعنى في الآية أن مثل المنافقين مثل قوم كانوا في ظلمة فأوقدوا ناراً، فلما أضاءت النار ما حولها أطفأها الله وتركهم في ظلمات لا يبصرون، فالظلمة الأولى التي كانوا فيها الكفر، واستيقادهم النار قولهم: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فلما أضاءت لهم ما حولهم واهتدوا، خلو إلى شياطينهم، فنافقوا وقالوا إنما نحن مستهزؤون، فسلبهم الله نور الإيمان وتركهم في ظلمات الكفر لا يبصرون.
ثم ضرب لهم مثلاً آخر شبيهاُ بهذا، فقال: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) [البقرة: ١٩]، والصيب: المطر، والظلمة: ظلمة الليل، وظلمة السحاب، والرعد دليل على شدة ظلمة الصيب وهوله. أراد: أو مثل قوم في ظلمات ليل ومطر، فضرب الظلمات لكفرهم مثلاً، والبرق لتوحيدهم مثلاً. (أَوْ) ها هنا الإباحة، أي: إن شبهتهم بالمثل الأول كنت مصيباً، وإن شبهتهم بالمثلين فكذلك أيضاً.