قيل: ما بين بعوضة فما فوقها، وحكوا أن العرب تقول: (مطرنا ما زبالة فالثعلبية)، (وله عشرون ما ناقة فجملاً) وأنكر المبرد هذين الوجهين.
وأجود هذه الأوجه: الوجه الأول، وذلك أن (يضرب) لما صارت لضرب الأمثال صارت في معنى (جعل)، فجاز أن تتعدى إلى مفعولين، وإذا كانت كذلك من جملة ما يدخل على المبتدأ والخبر، هذا أقيس ما يحمل عليه، وإنما اخترته لأنني وجدت في الكتاب العزيز ما يدل عليه، وذلك بأنني وجدت فيه قوله تعالى: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ) [يونس: ٢٤]، فمثل الحياة الدنيا: مبتدأ، وكماء: الخبر، كما تقول: إنما زيد كعمرو، ووجدت فيه (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ) [الكهف: ٤٥] فأنت ترى كيف دخلت (اضْرِبْ) على المبتدأ والخبر فصار هذا بمنزلة قولك: ظننت زيداً كعمرو.
ويجوز الرفع في (بَعُوضَةً) من وجهين.
أحدهما: أن تكون خبراً لمبتدأ محذوف يكون في صلة (ما) على أن تكون (ما) بمنزلة (الذي)، فيكون التقدير: إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما هو بعوضة، أي: الذي هو بعوضة.
والوجه الثاني: أن يكون على إضمار مبتدأ، لا يكون في صلة (ما) ولا تكون (ما) بمعنى (الذي) كأنه قال: إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما، قيل: ما هو؟
قيل: بعوضة، أي: هو بعوضة، كما تقول: مررت برجل زيد.
وقد قيل: أن (ما) هاهنا يجوز أن تكون كافة للفعل، فيستأنف الكلام بعدها، وهو على معنى المفعول، قال الشاعر.


الصفحة التالية
Icon