يسميها ألف التعجب؛ كأن الملائكة تعجبت من ذلك.
وأمَّا أنا فأرى أنها ألف استرشاد، كأن الملائكة استرشدتِ الله وسألته: ما وجه المصلحة في ذلك؟.
فصل:
ومما يسأل عنه أن يقال: من أين علمت الملائكة أنهم يفسدون في الأرض؟
ففي هذا جوابان:
أحدهما: أن الله تعالى أعلمهم أنه يكون من ذرية هذا الخليفة من يفسد في الأرض ويسفك الماء، فاقتضى ذلك أن سألوا هذا السؤال، وهذا معنى قول ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما.
والجواب الثاني: أن الجن كانوا في الأرض، فكفروا وأفسدوا وسفكوا الدماء فلما أخبرهم الله تعالى أنه جاعل في الأرض خليفة، أحبوا أن يعلموا هل سبيله في ذلك سبيل من كان فيها من الجن.
وإلى القول الأول يذهب أهل النظر، فإن قيل: فليس في القرآن إخبار بذلك قيل: هو محذوف، اكتفى منه بدلالة الكلام؛ إذ كانت الملائكة لا تعلم الغيب.
وقيل في قوله: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠] أنه ناب عن الجواب الذي هو (نعم). وقيل معناه: إني أعلم من المصلحة والتدبير مالا تعلمون. وقيل معناه: إني أعلم مالا تعلمون من أن ذلك الخليفة يكون من ذريته أهل طاعةٍ وولايةٍ، وفيهم الأنبياء.
وقيل: إني أعلم مالا تعلمون من إضمار إبليس المعصية وانطوائه عليها.