قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ [المائدة: ١١٦].
يسأل عن معنى سؤاله تعالى لعيسى - عليه السلام -؟
وفيه جوابان:
أحدهما: التوبيخ لمن ادعى ذلك عليه، كما يقرر الرجل البرئ بحضرة المدعى عليه ليبكت المدعي بذلك، وهذا قول الزجاج.
والثاني: أن الله تعالى أراد أن يعرفه أن قومه آلَ أمرهم إلى هذا الأأمر العجيب المنكر، وهذا على تأويل قول السُّدي: أنه قيل له في الدنيا.
فصل:
ويسأل: هل قيل له هذا في الدنيا، أو سيقال له؟
وفي هذا جوابان:
أحدهما: أنه سيقال له يوم القيامة، وهو قول ابن جريح وقتادة والزجاج لقوله: ﴿هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ [المائدة: ١١٩].
والثاني: أنه قيل له ذلك حين رفعه الله تعالى إليه في الدنيا، وهو قول السُّدي؛ لأنه الفعل بلفظ الماضي، ولا ينكر أن يأتي الفعل الماضي ومعناه الاستقبال في مثل هذا، وقد جاء في القرآن منه مواضع كثيرة، نحو قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ [الأنعام: ٢٧] وقال: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ [البقرة: ١٦٦] وقال: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل: ١] وقال: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [الأعراف: ٥٠]، وهذا إنما يأتي لصدق المخبر فيما يخبر؛ لأنه يصير في الثبات والصحة بمنزلة ما قد وقع.