واختلف في (وراء) :
فقال قوم: هو نقيض قدام.
وقال قتادة: هو بمعنى أمام، ومثله: ﴿مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ﴾ [الجاثية: ١٠]، وهو محتمل؛ لأنه من المواراة، قال الشاعر:
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا
أي: أمامى.
* * *
قوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ [الكهف: ١٠٩].
قال أصحاب المعاني: المعنى: قل لو كان البحر مداداً لكتابة معاني كلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي، فحذف لأن المعنى مفهوم، والنفاد: الفراغ.
ومما يسأل عنه أن يقال: الكلمات لأقل العدد، وأقل العدد العشرة فما دونها، فكيف جاء هاهنا أقل العدد؟
والجواب: أن العرب تستغني بالجمع القليل عن الكثير، وبالكثير عن القليل، قال الله تعالى: ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ [سبأ: ٣٧]، وغرف الجنة أكثر من أن تحصى، وقال: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ﴾ [آل عمران: ١٦٣]، وقال حسان:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
وكان أبو علي الفارسي ينكر الحكاية التي تروى عن النابغة، وأنه قال له: قللت جفناتكم وأسيافكم، فقال: لا يصح هذا عن النابغة.