والوجه الثاني: أن يكون ﴿قَلِيلًا﴾ خبرً لكانوا، والمعنى: كان هؤلاء قليلاً، ثم قال: من الليل ما يهجعون، أي: ما يهجعون شيئاً من الليل.
فعلى الوجه الأول يهجعون عجوعاً قليلاً، وعلى القول الثاني لا يهجعون البتة.
والهجوع: النوم، وهو قول ابن عباس وإبراهيم الضحاك، والأول قول الحسن والزهري. و ﴿مَا﴾ في القول الأول صلة، وفي القول الثاني نافية، وقيل ﴿مَا﴾ مصدرية، والتقدير؛ كانوا قليلاً هجوعهم، وقدر بعضهم ﴿قَلِيلًا﴾ نعتاً لظرف محذوف، أي: كانوا وقتاً قليلاً يهجعون، وكل محتمل، قال قتادة: لا ينامون عن العتمة ينتظرونها لوقتها؛ كأنه عد هجوعهم قليلاً في جانب يقظتهم للصلاة، ولا يجوز أن تجعل ﴿مَا﴾ نفياً وينصب بها ﴿قَلِيلًا﴾ ؛ لأن ما بعد النفي لا يعمل فيما قبله.
* * *
قوله تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ [الذاريات: ٢٢-٢٣].
قال الضحاك: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ﴾، أي المطر، لأنه سبب الخير، قال مجاهد: ﴿وَمَا تُوعَدُونَ﴾ من خير أو شر، وقيل: ما توعدون؛ الجنة؛ لأنها في السماء قال الفراء؛ أقسم بنفسه إن الذي قال لكم حق مثل ما إنكم تنطقون، قال: وقد يقول القائل كيف اجتمع ﴿مَا﴾ و ﴿إِنَّ﴾ وقد يكتفى بإحداهما من الأخرى؟ وفي هذا وجهان:
أحدهما: أن العرب تجمع، بين الشيئين من الأسماء والأدوات إذا اختلف لفظهما، في الأسماء، قال الشاعر: