وكذلك ما جاء في الآية الشريفة في قوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ... َ﴾ (١) يقول البقاعي: ((وهو ظاهر جداً إنّ ((من)) للتبعيض، والمراد بهم أصحاب الشرائع الذين اجتهدوا في تأسيس قواعدها وتثبيت معاقدها)) (٢) فالمعنى إن الآية المباركة تدلّ على الفطرة الإنسانية وإن كانت سبب الاتحاد في برهة من الدهر إلاّ إنّها غير كافية في رفع الاختلاف والتنافر بين الناس، والخلاف في تعيينهم كثير منتشر هذا القول، وأشهر ما فيه على أن ((من)) للتبعيض وهو الظاهر، وهذا ما أشار إليه البقاعي، والذي يقصد بعض الرسل، وقد نظم بعضهم في قوله:
أولوا العزم نوح والخليل بن آزر * * * وموسى وعيسى والحبيب محمد (٣)
وقال ابن الجوزي: ((من للتجنيس لا للتبعيض وفي قول أنهم جميع الأنبياء إلاّ يونس(ع) (٤).
ونضيف إلى تلك المعاني أيضاً خروج الحرف؛ لبيان الجنس في قوله تعالى: ﴿وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ (٥) يقول البقاعي:((وهنَّ الإناث على أنّ ((مِنْ)) للبيان)) (٦) فالمعنى: هو بيان جنس الأزواج، وهو أخص من الإناث، ويجوز أن تكون من هنا للتبعيض ويكون المخلوق كذلك.

(١). الأحقاف: ٣٥
(٢). نظم الدرر: ١٨/١٩٠
(٣) و(٢). نظم الدرر: ١٨/١٩٠ـ١٩١.
(٤)..
(٥). الشعراء: ١٦٦.
(٦). نظم الدرر: ١٤/٨١.


الصفحة التالية
Icon