وقد ورد هذا التعبير في قوله تعالى: ﴿... يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ (١) ويعلّق البقاعي على قوله: (من العذاب) قائلاً: ((وعبّر بمن دون عن إعلاماً بأنّهم لم يفارقوا العذاب دنيا ولا آخرة، وأن لم يحسوا به في الدنيا)) (٢) فكان التعبير بحرف الجر ((من)) أكثر ثباتاً ؛ لأن العذاب الذي أعدّه الله سبحانه وتعالى للكفار والمنافقين لهم في الدنيا والآخرة، ولو عبّر سبحانه وتعالى بـ ((عن)) لكان العذاب غير مستمرٍ لهم، والدليل على ذلك قوله ((بمزحزحه)) والزحزحة هي الإزالة عن المقر والنتيجة عنهم لقوله (ص) :((من صام يوماً في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) (٣) أي ليس طول العمر من حيث هو موجباً للخروج عن العذاب، بل المناط كله إنّما هو العمل الصالح واكتساب الحسنات وترك السيئات، وفي الآية الكريمة دلالة على أنّ الحرص على طول البقاء لطلب الدنيا ونحوه مذموم، وإنّما المحمود طلب البقاء للازدياد في الطاعة وتلافي الفائت بالتوبة والإنابة ودرك السعادة بالإخلاص في العبادة. (٤)
٢-الباء دون على :

(١). البقرة: ٩٦.
(٢). نظم الدرر: ٢/٦٤.
(٣). مواهب الرحمن: ١/٣٣٥
(٤). ينظر: مجمع البيان: ١/١٦٦.


الصفحة التالية
Icon