سلكت الخيط في المخيط، أي: أدخلته فيه. فالإدخالُ أَخصُّ وأشقُّ من السلك والسلوك. فإن السَّلك قد يكون سهلاً ميسوراً، قال تعالى في النحل: ﴿فاسلكي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً﴾ [النحل: ٦٩]، فانظر كيف قال: ﴿ذُلُلاً﴾ ليدلل على سهولته ويُسْرِه، وقال: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرض﴾ [الزمر: ٢١]. وهل هناك أيسر من سلوك الماء في الأرض وغوره فيها؟
فناسب وضع السلوك في موطن السهولة واليسر، ووضع الإدخال في موطن المشقة والتكليف الصعب. لقد ناسب الإدخال أن يوضع مع قوله: ﴿سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ﴾ وقوله: ﴿فَلَمَّا جَآءَهَا﴾ ومهمةَ التبليغِ إلى فرعون وقومه.
وناسب أن يوضع السلوك في مقام الخوف، وأن يوضع الإدخال في مقام الأمن والثقة.
وناسب أن يوضع الإدخال، وهو أخص من السلوك مع (الشهاب القبس) الذي هو أخَصُّ من الجذوة، وأن يوضع السلوك، وهو أعمُّ من الإدخال مع الجذوة من النار التي هي أعم من الشهاب القبس.
فكل لفظة وضعت في مكانها الملائم لها تماماً.
١٦- قال في القصص: ﴿واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب﴾ ولم يذكر مثل ذلك في النمل. و (الرهب) هو الخوف، وهو مناسبٌ لجو الخوف الذي تردد في القصة. ومناسب لجو التفصيل فيها بخلاف ما في النمل.
١٧- قال في النمل: ﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ﴾.
وقال في القصص: ﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ﴾.
فقد أعطاه في النمل تسع آيات إلى فرعون، وذكر في القصص برهانين، وذلك لما كان المقام في النمل مقامَ ثِقةٍ وقوة وسّع المهمة،


الصفحة التالية
Icon