فقد ناسب قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة تُبْعَثُونَ﴾ في المؤمنون، مُفْتَتحَ السورة، وهو قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون﴾، ومن لوازم الإيمان، الإيمانُ بالبعث، وناسب قوله في آخر السورة: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ﴾.
وناسب قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾ في (الزمر) مفتتح السورة، وهو قوله تعالى: ﴿تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم﴾، وقوله: ﴿إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾، فإن الخصومة تقتضي حكمًا بين المتخاصمين، كما ناسب قوله تعالى في خاتمة السورة: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالحق وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبِّ العالمين﴾، والقضاء إنما يكون بين المتخاصمين.
فانظر كيف ناسَب ختامُ كل آية من الآيتين، مُفْتتحَ سورتها وخاتمتها، وناسب جَوَّ السورةِ الشائع فيها، وناسب السياقَ الذي وردت فيه. فقد اقتضى المقام خاتمة الآيتين من كل وجه.
ثم انظر بعد ذلك كيف قال: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ﴾، فأفردَ النبيَّ عنهم، وجعلهم فريقين، ذلك لأن الخصومة والفصل يقتضيان أكثر من طرف، في حين لم يقتض ذلك في آية المؤمنون، فقال: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة تُبْعَثُونَ﴾ بجعلهم فريقاً واحداً، إذ كلهم يُبعثون وبخاصة أن الكلام على الإنسان على وجه العلموم خلقه وتطوره وموته وبعثه. فانظر كيف ناسب كل تعبير موطنه؟
فما أحسن هذا الاختيار في النظم وما أبلغه وأجمله!