فأنتَ ترى من الأمر بالركوع والسجود وعبادة الله، وفِعْلِ الخير وتأكيد ذلك بالأمر بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة ما يتناسب مناسبة ظاهرة مع مفتتح السورة، وما ذكر فيها من صفات المؤمنين من الصلاة والزكاة، وغيرها من الصفات.
لقد ابتدأت السورة بقوله تعالى:
﴿قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون * الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾. وفي هذا النص تقرير لفلاح المؤمنين، وإخبار بحصوله في حين كان الفلاح مرجوّاً لهم في السورة قبلها. فقد قال ثمة: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ اركعوا واسجدوا وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وافعلوا الخير لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ فقد أمرهم بالركوع والسجود، لِيُرجى لهم الفلاحُ، وهنا تحقق الفلاح بعد أن فعلوا ما أمرهم به ربهم. فهناك طَلَبٌ وتَرجٍّ وهنا تنفيذ وحصول، فانظر التناسب اللطيف في التعبير، وكيف وضعه وضعاً فنياً بديعاً. فقد بدأ بالأمر والطلب من الذين آمنوا أن يفعلوا ما يأمرهم به ربهم، فاستجاب الذين آمنوا، ففعلوا ما أمرهم به، فوقع لهم الفلاح على وجه التحقيق، ثم انظر كيف طلب منهم ربهم وكيف استجابوا؟
قال: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ﴾، فناداهم بالصيغة الفعلية الدالة على الحدوث، فاستجابوا واتصفوا بذلك على وجه الثبات، فوصفهم بالصيغة الاسمية (المؤمنون).
ثم قال: ﴿اركعوا واسجدوا﴾، وقال: ﴿فَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة﴾، فاتصفوا بما أمرهم به ربهم على وجه الثبات، فوصفهم بالصيغة الاسمية فقال: ﴿الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * والذين هُمْ عَنِ اللغو مُّعْرِضُونَ * والذين هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾.