وقال: ﴿والذين يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾. والوجَلُ أمرٌ قلبي وهو من لوازم الخشوع أيضاً.
وذكر الكفار وذَمَّهم بقوله: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ﴾، وهذه الغمرة تمنعها من الخشوع والخضوع والإعراض عما سِوى الله تعالى. وذكرُ القلوب ههنا أمرٌ له دلالته، فلم يقل: (هم في غمرة)، كما قال في مكان آخر من القرآن الكريم (الذاريات ١١) بل قال: (قلوبهم في غمرة) والقلبُ هو موطن الخشوع ومكانه، فإن كان هذا القلب في غمرة فكيف يخشع؟
وقال في ذم الكفار: ﴿فَمَا استكانوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ فلم يخشعوا، لأن الخاشع مستكين لربه متضرع متذلل إليه.
وقال: ﴿فاستكبروا وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ﴾ والاستكبارُ والعُلوُّ مناقضان للخشوع، إذ الخشوع، تَطَامنٌ وتَذلُّلٌ وخضوعٌ لله رب العالمين.
فبدءُ السورةِ بالخشوع، هو المناسب لجو السورة.
ثم إنَّ البدءَ به له دلالةٌ أخرى، ذلك أنه ورد في الآثار، أن الخشوع أول ما يُرفَعُ من الناس، وقد جاء عن عبادة بن الصامت أنه قال: "يوشك أن تدخل المسجد، فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً". وعن حذيفة أنه قال: "أولُ ما تَفقدون من دينكم الخشوع، وآخرُ ما تفقدون من دينكم الصلاة، وتنقض عُرى الإسلام عروة عروة".
فبدأ بما يُرفع أولاً، وختم بما يرفع آخراً، وهو الصلاة، فقال: ﴿والذين هُمْ على صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾.