والجواب: أنَّ من الشغل ما هو محمودٌ فقد يكون شغلاً في حق كما جاء في الحديث: "إن في الصلاة لشغلاً" وكما قال تعالى: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الجنة اليوم فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾ [يس: ٥٥]. أما الإلهاء فمما لا خيرَ فيه وهو مذمومٌ على وجه العموم، فاختار ما هو أحق بالنهي.
٢- لقد أسند الإلهاء إلى الأموال والأولاد فقال: ﴿لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ﴾. فقد نهى الأموال عن إلهاء المؤمن، والمراد في الحقيقة نهي المؤمن عن الالتهاء بما ذكر. والمعنى: لا تلتهوا بالمال والأولاد عن ذكر الله. وهذا من باب النهي لشيءٍ والمرادُ غيره، وهو كقوله تعالى: ﴿فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور﴾ [لقمان: ٣٣]، فقد نهى الحياة الدنيا عن غرّ المؤمن والمراد نهي المؤمن عن الاغترار بالدنيا.
إن المَنْهي في اللغة: هو الفاعل نحو قولك: (لا يضربْ محمودٌ خالداً) فـ (محمود) هو المنهي عن أن يضرب خالداً، ونحو قولك: (لا يسافرْ إبراهيمُ اليوم) فإبراهيم منهي عن السفر. ونحو قوله تعالى: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عسى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عسى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ﴾ [الحجرات: ١١]. فالقوم هم المنهيون وكذلك النساء. وكما تقول: (لا تضربْ خالداً) و (لا تضربي هنداً) فالفاعل هو المنهي وليس المفعول به. والفاعل في الآية هو الأموال والأولاد. أما المخاطبون فمفعول به. فالمنهي إذن هي الأموال والأولاد، وهي منهية عن إلهاء المؤمن.
وقد تقول: ولِمَ لم يعبر بالتعبير الطبيعي فيقول: لا تلتهوا بالأموال والأولاد، على أصل المعنى؟
والجواب: أن في هذا العدول عدة فوائد: