إلى الله ﴿وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدهر﴾ [الجاثية: ٢٤]. فلم يعترفوا لله بشيءٍ من خصائص الربوبية والألوهية. ولم يُقِرُّوا له بفضل على الإنسان، ولذا كرر وأعاد القول إنه هو الذي خلق السماوات والأرض وما فيهن. وهو الذي يُحيي ويميت وإنه وحده المُتفضِّلُ في هذا الوجود، لا مُتفضِّلَ سواه على الحقيقة، فقال سبحانه: ﴿وَمَآ أَنَزَلَ الله مِنَ السمآء مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [الجاثية: ٥].
وقال: ﴿الله الذي سَخَّرَ لَكُمُ البحر لِتَجْرِيَ الفلك فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض جَمِيعاً مِّنْهُ﴾ [الجاثية: ١٢-١٣]. ﴿وَخَلَقَ الله السماوات والأرض بالحق﴾ [الجاثية: ٢٢]. ﴿قُلِ الله يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إلى يَوْمِ القيامة لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ [الجاثية: ٢٦].
فالله هو الذي خلق السماوات والأرض وما فيهن، ولم يشاركه في ذلك أحد، وهو الذي خلق الإنسان وسخر له ما في السماوات، وما في الأرض، وتَفضَّلَ عليه بالنعم، فهو الذي أنزل المطر وأخرج الرزق من الأرض، وسخّر البحر، وفعلَ وفعل، فهو وحده المتفضل على وجه الحقيقة، وهو المستحق الحمد على جهة الحصر والقصر، فقدم الذات الإلهية، وقَصَرَ الحمدَ عليه، لأن المقام يقتضي ذلك بخلاف سورة الفاتحة التي ليس فيها شيء من ذاك، وهي - أعني: سورة الفاتحة - توجيه للمؤمنين الذين يخصون الله بالعبادة ويطلبون منه الثبات على الهدى.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، إنَّ جُلَّ التعبيرات في سورة الجاثية، جرت على طريقة الحصر:
﴿لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ [الجاثية: ٩].
﴿مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ﴾ [الجاثية: ١٠].
﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [الجاثية: ١٠].
﴿لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ﴾ [الجاثية: ١١].