ووجه ارتباطها بالمقسَم عليه ظاهر، ذلك أن الولادة مشقة وتعب ومكابدة، فارتباطها بقوله: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ﴾ بَيِّن.
وكما هي مرتبطة بالمُقْسَمِ عليه في أول السورة هي مرتبطةٌ أيضاً بآخر السورة، وهو قوله: ﴿وَتَوَاصَوْاْ بالصبر وَتَوَاصَوْاْ بالمرحمة﴾ ذلك أن الوالد من الأناسي والبهائم، يحتاج في تربية ولده وحفظه وإطعامه والقيام عليه إلى صبر ورحمة. فاتضح بذلك قوة ارتباط الآية بأول السورة وآخرها.
ثم انظر كيف انتقل من الوالد وما ولد إلى خلق الإنسان - وهو من جملة الوالد وما ولد - فَخَصَّهُ من بين هذا العامّ لأن مدارَ الكلام معقودٌ عليه.
ثم انظر كيف قال: ﴿وَمَا وَلَدَ﴾ ولم يقل: (ومن ولد) ولذلك أكثر من سبب.
فإن ﴿مَا﴾ عامة و (من) خاصة، فإن (ما) تقع لذوات غير العاقل، وتقع لصفات مَنْ يعقل، فتقول: (أركبُ ما تركبُ) و (آكلُ ما تأكل) فهي هنا لذوات غير العاقل. وتقع لصفات العقلاء قال تعالى: ﴿فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء مثنى وثلاث ورباع﴾ [النساء: ٣]. وقال: ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أنثى والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ [آل عمران: ٣٦]. وقال: ﴿وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى﴾ [الليل: ٣]. وهو الله سبحانه. وتقول: (زيد ما زيد) قال تعالى: ﴿وَأَصْحَابُ اليمين مَآ أَصْحَابُ اليمين﴾ [الواقعة: ٢٧].
فهي تكون للعاقل وغيره، فهي أَعمُّ وأشمل من (من) قال الفراء: "وصلحت (ما) للناس، ومثله ﴿وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى﴾ وهو الخالقُ للذكر والأنثى. مثله: ﴿فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء﴾ ولم يقل: من طاب".