وهكذا تكاملت الآياتُ تكاملاً شاملاً، فقد ذكر أنه مُحْدِثُها ومُصَوِّرُها ومالكها، ومالكُ ما فيها، وحافظها والقَيِّمُ عليها، وأنه ينزل الكتب لهداية عقلاء خلق الله إلى طريقه المستقيم.
وهكذا تكون كلُّ آية مُكَمِّلة للآيات الأخرى.
قالوا: وقوله: ﴿رَبِّ العالمين﴾ عمَّ ذلك كلَّه. فالربُّ يشمل كل ما ذكر من صفات الله من ملك وخلق. و (العالمين) تشمل كل ما ذكر من السماوات والأرض وما فيهما، فهي حقيقة بأن تُسمى "أم الكتاب".
جاء في (تفسير الرازي) :"أنه تعالى لم يقل: الحمد لله خالق العالمين، بل ﴿الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين﴾ والسبب فيه أن الناس أطبقوا على أن الحوادث، مفتقرةٌ إلى المُوجِدِ والمُحْدِثِ حالَ حدوثها، لكنهم اختلفوا في أنها حال بقائها، هل تبقى محتاجة إلى المُبْقي أم لا؟
فقال قوم: الشيءُ حال بقائه يستغني عن السبب، والمربي هو القائم بإبقاء الشيء وإصلاح حالهِ حالَ بقائه، فقوله: ﴿رَبِّ العالمين﴾ تنبيه على أن جميع العالمين، مفتقرة إليه في حال بقائها، والمقصود أن افتقارها إلى الموجد في حال حدوثها، أمرٌ متفق عليه. أما افتقارها إلى المبقي والمربي حال بقائها هو الذي وقع فيه الخلاف، فخصَّه سبحانه بالذكر، تنبيهاً على أن كلّ ما سوى الله فإنه لا يستغني عنه لا في حال حدوثه ولا في حال بقائه...
ثم إنه تعالى افتتح سوراً أربعة بعد هذه السورة بقوله: ﴿الحمد للَّهِ﴾. فأولها سورة الأنعام، وهو قوله: ﴿الحمد للَّهِ الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَجَعَلَ الظلمات والنور﴾ [الأنعام: ١].
واعلم أن المذكور ههنا قسم من أقسام قوله: ﴿رَبِّ العالمين﴾ لأن لفظَ العالَمِ يتناول كل ما سوى الله. والسماوات والأرض والنور والظلمة،


الصفحة التالية
Icon