ومنها: أن فيه أن تحب للآخرين ما تحب لنفسك فيغسل ما في النفس من درن الأَثَرة ونوازع الانفراد بالخير، ويشيع عند المسلم حب التعاون.
ومنها: إشاعة الروح الجماعية بين الأفراد.
ومنها: أن الاجتماع على الهدى، تثبيتٌ وقوة، وأن كثرة السائرين على الطريق تورث الأُنس وتهوِّن مشقة السير بخلاف الانفراد في السير فإنه يورث الوحشة ويستجلب الملل، إن الإنسان إذا كان معه سالكون لم يستوحش، وكلما كثر السالكون شاع الأمن ورسخت الطمأنينة، أما السالك وحده فإنه قد يستوحش وقد يضعف وقد يسقط، وقد تأكله الذئاب، ويد الله مع الجماعة وإنما يأكل الذئبُ من الغنم القاصية.
وهذا الأمر حاصل لمن سلك سبل الدنيا ولمن سلك سبل المبادىء والقيم سواء بسواء، وهو في الثانية أظهر وأخطر.
ثم انظر من ناحية أخرى، كيف ارتبط قوله تعالى: ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ بأول السورة ووسطها وآخرها. فارتبط بقوله: ﴿رَبِّ العالمين﴾ في أول السورة، لأن من معاني الرب المربي، وأول مهامّ المربي هي الهداية كما ذكرنا.
وارتبط بقوله: ﴿الرحمن الرَّحِيمِ﴾ لأن مَنْ هداه الله فقد رحمه، فإنك تطلبُ من الرحمن الرحيم أن لا يتركك ضالاًّ لا تهتدي إلى الطريق، فإن رحمته تأبى أن يترك مَنْ سأله الهداية والنجاة من الضلال والضياع ضالاً مُضيَّعاً.
وارتبط بقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ لأن العبادة ينبغي أن تكون على الطريقة الصحيحة التي يرتضيها الله، ولا تتحقق العبادة إلا بالهداية إلى الطريق المستقيم، فلا يمكن أن تعبده عبادة صحيحة وأنت ضال.


الصفحة التالية
Icon