إذا زاغ كان من المغضوب عليهم، لأنه علم وخالف، فكان من المناسب أن يسأل الله المباعدة عن ذلك أولاً بخلافِ مَنْ لا يعلم، وكان ضالاً، وأما سؤال الهداية بعد ذلك وهو قوله: ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ فهو المناسبُ للسؤال بالمباعدة عن الضلال.
فلما قَدَّم الحمدَ وما إليه ناسب السؤال بالمباعدة عن الغضب، ولما طلب بعد ذلك الهداية، ناسب أن يذكر بعد ذلك، المباعدة عن الضلال. ومنها: أن ذلك هو المناسب لخواتيم الآي أيضاً.
جاء في (البحر المحيط) :"وقدم الغضب على الضلال، وإن كان الغضب من نتيجة الضلال، ضل عن الحق فغضب عليه لمجاوزة الإنعام، ومناسبة ذكره قرينة لأن الإنعام يقابل بالانتقام ولا يقابل الضلال الإنعام. فالإنعامُ إيصالُ الخير إلى المنعم عليه، والانتقام إيصال الشر إلى المغضوب عليه فبينهما تطابقٌ معنوي.
وفيه أيضاً تناسب التسجيع لأن قوله: (ولا الضالين) تمام السورة فناسب أواخر الآي".
ثم انظر كيف تناسب قوله: ﴿غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم وَلاَ الضآلين﴾ وقوله: ﴿الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين﴾ فإن الحمدَ مُطْلَقٌ غير مقيدٍ بزمن ولا بفاعلٍ معين، وهو دائم ثابت، وهؤلاء مغضوب عليهم وضالون على جهة الثبوت والدوام.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، أنَّ مَنْ لم يحمد الله، فهو مغضوب عليه وضال، ومن لم يقرّ بأن الله رب العالمين، فهو مغضوب عليه وضال.
ومَنْ لم تُدْركه رحمةُ الله الرحمن الرحيم فهو مغضوبٌ عليه وضال.