فهو الإله حصراً، وهو العزيز الحكيم حصراً.
وأما الشق الثاني من السؤال وهو: لماذا لم يقل سيدنا عيسى كما قال سيدنا إبراهيم عليهما السلام: ﴿فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٣٦]. فإنه سأل المغفرة والرحمة أو عرّض بهما لمن عصاه، فهذا يُجابُ عنه من أوجه:
منها: أن إبراهيم، عليه السلام، لم يقل: (ومن عصاكَ فإنك غفور رحيم)، بل قال: ﴿وَمَنْ عَصَانِي﴾ ومعصية العبد دون معصية الله.
ومنها: أن إبراهيم، عليه السلام، ذكر المعصية، ولم يذكر الشرك، فقد قال: ﴿وَمَنْ عَصَانِي﴾ ولم يقل: (ومَنْ أشركَ بك) والمعصية درجات، أما الشرك فهو أكبر الكبائر، فإن الله قد يغفر للعاصي غير المشرك، أما المشرك فإن الله لن يغفر له، وقد قال تعالى عن سيدنا آدم، عليه السلام: ﴿وعصىءَادَمُ رَبَّهُ فغوى﴾ [طه: ١٢١] ثم قال: ﴿ثُمَّ اجتباه رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وهدى﴾ [طه: ١٢٢].
وهنا أود أن أسأل سؤالاً فأقول: هل يظن أحد أن سيدنا إبراهيم، عليه السلام، كان يمكن أن يقول: ومَن اتَّخذني إلهاً من دونك، فإنك غفور رحيم؟
فهذا ما قالته الفرقة المفترية على عيسى.
إن إبراهيم، عليه السلام، وإنْ كان أوّاهاً حليماً، كما وصفه الله تعالى، تَبرَّأَ من أبيه لما تَبيَّنَ أنه عدوٌّ لله، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ استغفار إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ [التوبة: ١١٤].
فاتضح الفرق بين المقامين.