و(يّسمّعون) الصافات٨ بتشديد السين والميم وبتخفيفهما، والتشديد قراءة حفص(١)، والأصل: يتسمعون، فتماثلت التاء والسين للتقارب مخرجا وصفة؛ إذ كلاهما صوت أسناني مهموس، غير أن التاء صوت انفجاري، والسين صوت احتكاكي(٢)، فكان التماثل رجعيا، إذ انقلبت التاء سينا وأدغمت في السين. واختار أبوعبيدة قراءة التشديد؛ لأن العرب لا تكاد تقول: سمعت إليه، وإنما تقول: تسمعت إليه، وعليها ينتفي أن يقع منهم استماع أو سماع، والتسمع أبلغ من السمع ؛ لأن نفي التسمع يقتضي نفي السمع(٣).
ويلحظ الباحث أن نماذج هذا المظهر تشديدها بالإدغام، الأمر الذي يثير تساؤلا: أليس الإدغام مظهرا من مظاهر التخفيف؟! و من ثم يري الباحث أن الإدغام ربما لم يكن سبيلا للتخفيف في جميع الحالات، فقد يكون مظهرا من مظاهر التشديد والتثقيل؛ ولعل حديثا لأبي عمرو يؤكد هذا، يقول فيه: الإدغام كلام العرب إذا أرادت التخفيف أدغمت، فإن كان الإدغام أثقل أتمت"(٤).
ثانيا : التخفيف :
سبق القول بأن ثمة مظاهر أربعة، كل مظهر يمثل مرحلة ما من مراحل التطور اللغوي نحو التخفيف في رأي الباحث، وقد ارتأي ترتيبها على هذا النحو :
١ـ تخفيف بالإبدال :
وقد لمسه الباحث في العدول عن صيغة (فعّل) بتشديد العين إلى صيغة (أفعل) وهناك كلمات كثيرة تمثل هذا السلوك الغوي، يرصد الباحث منه على سبيل النموذج :
ـ لتكملوا : البقرة ١٨٥، حيث قرئ بالتخفيف من (أكمل)، وبالتشديد من (كمّل) بتشديد الميم، والأولي قراءة حفص(٥). وذكر المحللون أن التشديد والتخفيف لغتان(٦)، واختار مكي التخفيف لخفته(٧).

(١) السبعة ٥٤٧، والعنوان ١٦١، والنشر ٢/٣٥٦، والإتحاف ٢/٤٠٨
(٢) انظر: أصوات العربية ١٣٤ و١٥٠
(٣) انظر: الكشف ٢/٢٢١ والجامع ٦/٥٥٠٩ والبحر ٧/٣٥٣
(٤) انظر: جمال القراء ٢/٤٩٠
(٥) السبعة ٦/١١، والعنوان ٧٢، والنشر ٢/٢٢٦، والإتحاف ١/٤٣١.
(٦) حجة ابن خالويه ٩٣، والجامع ١/٦٨١
(٧) الكشف ١/٢٨٣


الصفحة التالية
Icon