لعل من نافلة القول أن الكسرة حركة متوسطة من حيث الخفة والصعوبة في النطق بين الفتحة والضمة؛ إذ الفتحة أخف الحركات والضمة أصعبها، وربما دفع هذا الأمر الباحث إلى القول بأن الكسر كان طابعا تتسم به غالبا بعض القبائل غير الموغلة في البداوة ـ خلافا للضم فإنه سمة القبائل الموغلة في البداوة ـ وذلك لقربها من الحضر(١)، بل ربما يكون الكسر لغة للقبائل الحضرية، يقول د. أنيس: "إن الكسرة أضعف من الضمة، ولذا كانت حركة التأنيث في العربية، والتأنيث محل الرقة؛ إذ يتناسب وضعف الأنوثة ورقتها، ومن ثم فالكسر دليل التحضر والرقة في معظم البيئات اللغوية"(٢).
وهذا يعنى أن الكسر لغة القبائل الحجازية ؛ فهي القبائل المتحضرة، وتأكيدا لهذا الرأي يعرض الباحث عدة نماذج للكسر من قراءة حفص :
ـ رضوان : آل عمرا ١٥، حيث قرئ بالكسر وبالضم، والكسر قراءة حفص(٣)، وهما لغتان(٤)، والكسر لغة الحجاز، والضم لغة تميم وقيس وبكر(٥).
ـ حج : آل عمران ٩٧، قرئ بكسر الحاء وبفتحها، والكسر قراءة حفص(٦)، وهما لغتان بمعنى واحد(٧)، والكسر لغة أهل نجد، والفتح لغة أهل العالية(٨)والحجاز(٩)، وقيل: الكسر اسم والفتح مصدر(١٠).
ويعلق د. علم الدين قائلا: "وهنا نلحظ وجود اختلاف بين قبائل الشطر الشرقي، وتوافق بين الشطرين: الشرقي والغربي؛ حيث خالفت نجد أسد، ووافقت أسد الحجاز"(١١)
(٢) في اللهجات العربية ٩١
(٣) السبعة ٢٠٢، وإعراب القراءات السبع ١/١٠٨، النشر ٢/٢٣٨
(٤) حجة ابن خالويه ١٠٦، وجامع البيان ٦/٢٦٢، والكشف ١/٣٣٧
(٥) الكنز ٣٠٩، والبحر ٢/٣٩٨
(٦) السبعة ٢١٤، والعنوان ٨٠، والإتحاف ١/٤٨٥
(٧) الكشف ١/٣٥٣، والجامع ١/٧١٨، والإبراز ٣٩٧
(٨) جامع البيان ٧/٤٥، والبحر ٣/١٠
(٩) الإتحاف ١/٤٨٥
(١٠) حجة ابن خالويه ١١٢، والكشف ١/٣٥٣
(١١) اللهجات العربية في التراث ١/٧٣