هذا.. وقد ذكر العلماء أن التذكير أصل للتأنيث والتأنيث فرع عليه(١)، وبناء على ذلك قرروا أن كل ما لا يعرف أمذكر هو أم مؤنث؟ فحقه أن يكون مذكرا(٢)، وقد ترتب على ذلك أنه إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر، نقول: "الرجل والمرأة قاما وجلسا"، ولا يجوز: "قامتا وجلستا"(٣)، وكذلك إذا جاء الخطاب بلفظ المذكر ولم يُنَص فيه على ذكر الرجال فإن ذلك شامل الذكران والإناث(٤)، ومن ذلك قوله تعالى: "ياأيها الذين آمنوا.." في كل المواضع من القرآن.
وقد يذكر المؤنث، ويؤنث المذكر حملا على المعني(٥)، والأكثر أن يذكر المؤنث؛ لأنه رد فرع إلى أصل(٦)، وتذكير المؤنث أسهل من تأنيث المذكر؛ لقوة المذكر؛ إذ يصعب أن يضعف ضعف المؤنث.
موقف قراءة حفص من هذه الظاهرة :
لقد جمعت قراءة حفص بين التذكير والتأنيث في كثير من الكلمات المؤنثة تأنيثا غير حقيقي، فتارة تذكّر حملا على المعني، وأخرى تؤنث مراعاة للفظ، وربما يكون في هذا الجمع تأكيد على عدم استقرار مثل هذه الألفاظ لدى فصحاء العرب. أضف إلى ذلك أن نزول القرآن بأكثر من لهجة حفظٌ للهجات الأخرى غير لهجة قريش واحترام لها مؤكدا ضرورة التساهل فيها؛ إذ ليس فيها واجب على تذكير هذا أو تأنيث ذاك. ويعرض الباحث عدة نماذج للتذكير والتأنيث:
أولا : التذكير حملا على المعنى :
ـ شفاعة : في قوله: (لا يقبل منها شفاعة) البقرة ٤٨، حيث قرئ الفعل بالياء وبالتاء، وبالياء قراءة حفص(٧).
ـ مائة : في قوله تعالى: (إن يكن منكم مائة يغلبوا) الأنفال ٦٥، قرئ الفعل بالياء والتاء، والياء قراءة حفص(٨).

(١) انظر : ما ينصرف وما لا ينصرف ٦٨، والخصائص ٢/٤١٥، والتسهيل ٢٥٣
(٢) انظر : ما ينصرف ٦٨، ومعجم المذكر والمؤنث ١٠
(٣) انظر : شرح درة الغوا ص ١١١
(٤) الصاحبى فقه اللغة ٣٠٥
(٥) التسهيل ٢٥٤
(٦) الخصائص ٢/٤١٥
(٧) السبعة ١٥٥، والنشر ٢/٢١٢، والإتحاف ١/٣٩٠
(٨) إعراب القراءات السبع ١/٢٣٢، والنشر ٢/٢٧٧


الصفحة التالية
Icon