وبعد هذا العرض تبين للباحث أن بعض الكلمات ليس بين إفرادها وجمعها من دلالات سوي أن الجمع يدل على الكثرة والمفرد يدل على الجنس كالكتب والكتاب(١)، وبعضها ارتبط مفردها وجمعها بدلالة أخرى اقترنت بها في الآيات مثل: (الريح والرياح)؛ فالإفراد مرتبط بالعذاب، والجمع مرتبط بالرحمة، ودليل ذلك قول رسول الله - ﷺ - "اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا"، الحديث يؤكد أن مواضع الرحمة بالجمع، ومواضع العذاب بالإفراد؛ ولهذا اتفقوا على الجمع في قوله: (يرسل الرياح مبشرات)، والإفراد في (إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم)(٢).
لحظ الباحث أن كل الكلمات احتمل الرسم قراءتيها؛ حيث إنها مكتوبة بشكل واحد، وربما دفع هذا الباحث أن يردَّ الخلاف بين الإفراد والجمع إلى خلاف مقطعي، أي في نوع المقطع، وبالتحديد ينحصر الخلاف في النوع المقطعي المفتوح، ويشمل المقطعين: القصير (ص ح) والمتوسط (ص م)، فكل الكلمات مفردة كانت أو مجموعة المقطع قبل الأخير منها أحد هذين المقطعين، وبتحويله إلى المقطع الآخر تتغير دلالة الكلمة صرفيا، فتتحول من الإفراد إلى الجمع أو العكس، فمثلا كلمة (بينت) فاطر٤ هكذا رسمها في المصحف، وعليه فهي مفردة، والمقطع قبل الأخير قصير، وبإطالته تتحول دلالتها من الإفراد إلى الجمع (بينات)، ومثلها (ثمرت)؛ ومن ثم نقول: إذا كان المقطع قصيرا فدلالة الكلمة الإفراد، فإذا أطيل فدلالتها الجمع، ولكن يبدو أن في هذه القاعدة شذوذا؛ حيث إن بعض الكلمات إذا كان المقطع قبل الأخير منها قصيرا كانت دلالتها الجمع فإذا أطيل صارت دلالتها الإفراد، وخير نموذج لهذا كلمة (كتب وكتاب).

(١) حجة ابن خالويه ١٠٥، وجامع البيان ٦/١٢٥، والجامع ٢/١٢٣٦
(٢) حجة ابن خالويه ٩١، وحجة أبي على ٢/١٩٧، والكشف ١/٢٧٠، وإبراز المعاني ٣٤٨، والجامع ١/٥٧٨، والبحر ١/٤٦٧، والمهذب ١/٧٨


الصفحة التالية
Icon