والمشهورُ فتحُ الياءِ من "يَمُدُّهم"، وقُرئ شاذاً بِضمِّها، فقيل: الثلاثي والرباعي بمعنى واحدٍ، تقول: مَدَّة وأَمَدَّه بكذا، وقيل: مَدَّه إذا زاده من جنسه، وأَمَدَّه إذا زادَه من في جنسِه، وقيل: مَدَّه في الشرِّ، كقوله تعالى: ﴿وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً﴾ وَأَمَدَّه في الخير، كقوله: ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾ ﴿وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ﴾ ﴿أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ﴾ إلا أنَّه يُعَكِّر على هذين الفرقين أنه قرئ ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ﴾ باللغتين، ويمكن أن يُجَاب عنه بما ذكره الفارسي في توجيهِ ضَمِّ الياء أنه بمنزلةِ قولِهِ تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ﴾ ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ يعني أبو علي -رحمه الله تعالى- بذلك أنه على سبيل التهكم.
وقال الزمخشري: "فإنْ قُلْتَ: لِمَ زعمت أنه من المَدَدِ دون المَدِّ في العُمْرِ والإملاءِ والإمهالِ؟ قلت: كفاك دليلاً على ذلك قراءةُ ابنِ كثير وابنِ محيصن: "ويُمِدُّهم" وقراءةُ نافعِ" "وإخوانُهم يُمِدُّونهم" على أنَّ الذي بمعنى أمهله إنما هو "مَدَّ له" باللام كأَمْلَى له".
والاستهزاءُ لغةً: السُّخْرِيةُ واللعبُ: يقال: هَزِئَ به، واستَهْزَأَ قال:
١٩٩- قد هَزِئَتْ من أمُّ طَيْسَلَهْ * قالَتْ: أراه مُعْدِماً لا مالَ لَهْ
وقيل: أصلُه الانتقامُ، وأنشدَ:
٢٠٠- قد استهْزَؤوا منا بألفَيْ مُدَجَّجٍ * سَراتُهُمُ وَسْطَ الصَّحاصِحِ جُثَّمُ
فعلى هذا القولِ الثاني نسبةُ الاستهزاءِ إليه تعالى على ظاهِرها، وأمَّا على القولِ الأولِ فلا بُدَّ من تأويل ذلك. فقيل: المعنى يُجازيهم على استهزائهم، فَسَمَّى العقوبةَ باسم الذنبِ/ ليزدوجَ الكلامُ، ومنه: ﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ﴾ وقال عمرو ابن كلثوم:
(١/١٠٧)
---