قوله: "وأُخَرُ" نسقٌ على "آيات"، و"متشابهاتٌ" نعتُ لأُخَر، وفي الحقيقة "أُخَرُ: نعتٌ لمحذوف تقديره: وآياتٌ أُخَرٌ متشابهاتُ. قال أبو البقاء: "فإنْ قيل: واحدةُ "متشابهات" متشابهة، وواحدة "أُخَر" أُخْرى، والواحدةُ هنا لا يَصِحُّ أن توصف بهذا الواحد فلا يُقال، أخرى متشابهة إلا أن يكونَ بعضُ الواحدةُ يُشبْه بعضاً، وليس المعنى على ذلك/ وإنما المعنى أنَّ كل آيةٍ تشبه آيةً أخرى، فكيف صَحَّ وصفُ هذا الجمعِ بهذا الجمعِ، ولم يَصِحَّ وصفُ مفردهِ بمفرده؟ قيل: التشابهُ لا يكون إلا بين اثنينِ فصاعداً، فإذا اجتمعت الأشياءُ المشابهةُ كانت كل واحدٍ منها مشابهاً للآخر، فلمَّا لم يَصِحَّ التشابُه إلا في حالةِ الاجتماع وَصَفَ الجمعَ بالجمع لأنَّ كلَّ واحدٍ منها يشابه باقيها، فأمَّا الواحدُ فلا يَصِحُّ فيه هذا المعنى، ونظيرُه قوله: ﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ﴾ فثنَّى الضميرَ وإن كان الواحدُ لا يَقْتَتِلُ. قلت: يعني أنه ليس من شرطِ صحةِ الوصفِ في التثنية أو الجمعِ صحةُ انبساطِ مفرداتِ الأوصاف على مفرداتِ الموصوفاتِ، وإنْ كان الأصلُ ذلك، كام أنه لا يُشْتَرك في إسناد العفلِ إلى المثنَّى والمجموعِ صحةُ إسنادِه لى كلِّ واحدٍ على حِدَتِه.
وقريب من ذلك قوله: ﴿حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾ قيل: ليس لحافِّين مفردٌ لأنه لو قيل: "حافّ" لم يَصِحَّ، إذ لا يتحقق الحُفوفُ في واحد فقط، وإنما يتحقق بجمعِ يُحيطون بذلك الشيء المحفوفِ، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى في موضعِهِ.
قوله: ﴿زَيْغٌ﴾ يجوز أن يكون مرفوعاً بالفاعلية لأنَّ الجارَّ قبله صلةٌ لموصول ويجوز أن يكونَ مبتدأ وخبُره الجارُّ قبله.
(٣/٢٤٦)
---