}. الرابع: أنها تبعيضيةٌ، ألاَّ أنَّ هذا الوجهَ لَمَّا أجازهن الشيخ جعله مبنياً على إعرابِ "شيئاً" مفعولاً به، بمعنى: لا يَدْفع ولا يمنع. قالَ: فعلى هذا يجوزُ أن تكنَ "مِنْ" في موضع الحال من شيئاً، لأ، ه لو تأخَّر لكان في موضع النعتِ له، فلمَّا تقدَّم انتصب على الحال، وتكن "مِنْ" إذ ذاك للتعبيض. وهذا ينبغي ألاَّ يجوزَ البتة، لأنَّ "مِنْ" التبعيضيَّةَ تُؤوَّلُ بلفظ "بعض" مضافةً لِما جَرَّته مِنْ، ألا ترى أنك إذا قلت: "رأيت رجلاً من بني تميم" معناه بعضَ بني تميم، و"أخذت من الدارهم": بعضَ الدراهم، وها لا يُتَصَوَّرُ ذلك أصلاً، وإنما يَصِحُّ جَعْلُه صفةً لشيئاً إذا جعلنا "مِنْ" لابتداء الغايةى كقولك: "عندي درهم من زيد" أي: كائن أو مستقر من زيد، ويمتنع فيها التبعيضُ، والحالُ كالصفةِ في المعنى، فامتنعَ أن تكونَ "منْ" للتعبيض مع جَعْلِه "من الله" حالاً من "شيئاً"، والشيخُ تَبعَ في ذلك أبا البقاء، إلاَّ أنَّ أبا البقاء حين قال ذلك قَدَّرَ مضافاً صَحَّ به قَولُه، والتقدير: شيئاً من عذاب الله، فكان ينبغي أن يَتْبَعَه [في هذا الوجه مُصَرِّحاً بما يَدْفَعُ] هذا الردَّ الذي ذكرتُه.
و"شيئاً": إمَّا منصوبٌ على المفعولِ به، وقد تقدَّم تأويله، وإمَّا على المصدرية أي: شيئاً من الإغناء. قوله: ﴿وَأُولَائِكَ هُمْ وَقُودُ﴾ هذه الجملةُ تحتمل وجهين، أحدُهما: أن تكونَ مستأنفقةً. والثاني: أن تكونَ منسوقةً على خبر إنَّ، و"هم" يحتملُ الابتداءَ والفصلَ. وقرأ العامة: "وَقود" بفتح الواو، والحسن بضمِّها، وقد تقدم تحقيق ذلك في البقرة، وأنَّ المصدريةَ مُحْتَمَلةٌ في المفتوحِ الواوِ أيضاً، وحيث كان مصدراً فلا بد من تأويلِه فلا حاجةً إلى إعادتِه هنا.
* ﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾
(٣/٢٥٤)
---