وقرأ ابن السَّمَيْفَع وابن أبي عَبْلة "فئةً" نصباً. وفيه أربعة أوجه، أحدها: النصبُ بإضمارِ أعني. والثاني: النصبُ على المدح. وتحريرُ هذا القول أن يُقال على المدح في الأول، وعلى الذم في الثاني، وكأنه قيل: أَمْدَحُ فئةً تقاتل في سبيل الله، وأذمُّ أخرى كافرةً. الثالث: أن ينتصبَ على الاختصاص جَوَّزه الزمخشري. قال الشيخ: "وليس بجيد؛ لأنَّ المنصوبَ [على الاختصاص] لا يكونُ نكرةً ولا مبهماً" قلت: لا يعني الزمخشري الاختصاصَ المبوَّبَ له في النحو نحو "نحن معاشرَ الأنبياء لا نُوْرَثُ" إنما عني النصبَ بإضمارِ فعلٍ لائقٍ، وأهلُ البيانِ يُسَمُّون هذا النحو اختصاصاً.
الرابعُ: أن تنتصِبَ "فئةً" على الحالِ من فاعل "التقتا" كمأنه قيل: التقتا مؤمنةً وكافرةً، فعلى هذا يكون "فئةً" و"أخرى" توطئةً للحال، لأن المقصود ذِكْرُ وصفها، وهذا كقولهم: جاءني زيدٌ رجلاً صالحاً، ومثلُه في باب الإِخبار: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾ ونحوُه.
قوله: ﴿وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾ "أُخْرى": صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ تقديره: "وفئةٌ أخرى كافرةٌ". وقُرِئَتْ "كافرة" بالرفعِ والجَرِّ على حَسَبِ القراءتين المذكورتين في "فئة تقاتل"، وهذه منسوقَةٌ عليها، وكان من حق/ من قرأ "فِئَةً تقاتل" نصباً أن يقرأ: "وأخرى كافرةً" نصباً عطفاً على الأولى، ولكني لم أحفظ فيها ذلك. وفي عبارة الزمخشري ما يُوْهم القراءةَ به فإنه قال: "وقُرىء فئة تقاتل وأخرى كافرة بالجرِّ على البدلِ من فئتين، وبالنصبِ على الاختصاص أو الحال"، فظاهرُ قولِه: "وبالنصب" [أي: في جميعِ ما تقدم وهو: فئة تقاتل وأخرى كافرة]. وقد تقدَّم سؤال أبي البقاء وهو: لم يَقُلْ "والأخرى" بالتعريفِ، أعني حالَ رفعِ "فئةُ تقاتل" على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ تقديرُه: "إحداهما"، والجوابُ عنه.
(٣/٢٦٣)
---


الصفحة التالية
Icon