الثالث: أن يكونَ الخطاب في "لكم" وفي "تَرَوْنَهم" للكفار، وهم قريش، والضميرُ المنصوبُ والمجرور للمؤمنين، اي: قد كان لكم أيها المشركون/ آيةٌ حيث تَرَوْن المؤمنين مِثْلَي أنفسِهم في العدَدِ، فيكون قد كَثَّرهم في أعينِ الكفار ليجبنُوا عنهم، فيعودُ السؤالُ المذكور بين هذه الآية وآية الأنفال، وهي قوله تعالى: ﴿وَيُقَلِّلُكُمْ فِيا أَعْيُنِهِمْ﴾، فكيف يقال هنا إنه كَثَّرهم فيعودُ الجواب بما تقدَّم من اختلافِ حالتين، وهو أنه قَلَّلهم أولاً ليجترىءَ عليهم الكفارُ، فلمَّات التقى الجمعان كَثَّرهم في أعيِنِهم ليحصُل لهم الخَورُ والفَشَلُ.
الرابع: كالثالث، إلاَّ أنَّ الضميرَ في "مِثْلَيْهم" يعودُ على المشركين فيعودُ ذلك السؤال، وهو أنه كان ينبغي أن يُقال "مِثْليكم" ليتطابق الكلامُ فيعودَ الجوابان وهما: إمَّا الالتفاتُ من الخطاب إلى الغَيْبة، وإمَّا عودُه على لفظِ الفئة الكافرة، لأنها عبارةٌ عن المشركين، كما كان ذلك الضميرُ عبارةً عن الفئةِ المقاتلَةِ، ويكونُ التقديرُ: تَرَوْنَ أيه المشركون المؤمنين مِثْلَيْ فئتِكم الكافرة، وعلى هذا فيكونون قد رَأَوا المؤمنين مِثْلَي أنفسِ المشركين ألفين ونيفاً، وهذا مَدَدٌ من الله تعالى، حيث أرى الكفارَ المؤنينَ مِثْلَي عددِ المشركين حتى فَشِلوا وجَبُنوا، فَطَمِعَ المسلمون فيهم فانتصورا عليهم، ويؤيّشده: ﴿يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ﴾ فالإراءة هنا بمنزلة المَدَدِ بالملائكةِ في النصرةِ بكليهما، ويعودُ السؤالُ حينئذٍ بطريق الأَوْلى: وهو كيف كثَّرهم إلى هذه الغايةِ مع قولِهِ في الأنفال: ﴿وَيُقَلِّلُكُمْ فِيا أَعْيُنِهِمْ﴾؟ ويعود الجواب.
(٣/٢٦٧)
---


الصفحة التالية
Icon