و "الذي" في محلِّ خَفْضٍ بالإضافة، وهو موصولٌ للمفردِ المذكرِ، ولكن المرادَ به هنا جَمْعٌ، ولذلك رُوعي معناه في قوله: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ﴾ فأعاد الضمير عليه جمعاً، والأَوْلى أن يقال إن "الذي" وقع وصفاً لشيء يُفْهِم الجمعَ، ثم حُذِفَ ذلك الموصوفُ للدلالةِ عليه، والتقديرُ: مَثَلهم كَمَثَل الفريق الذي استوقد أو الجمعِ الذي استوقَدَ، ويكون قد رُوعي الوصفُ مرةً، فعادَ الضميرُ عليه مفرداً في قوله: "استوقد" و "حَوْلَه"، والموصوفُ أخرى فعاد الضميرُ عليه مفرداً في قوله: "استوقد" و "حَوْلَه"، والموصوفُ أخرى فعاد الضميرُ عليهِ مجموعاً في قوله: "بنورِهم، وتركَهم".
ووهِم أبو البقاء فَجَعَل هذه الآيةَ من باب ما حُذِفَتْ منه النونُ تخفيفاً، وأن الأصلَ: الذين، ثم خُفِّف بالحذفِ، وكأنه جَعَلَه مثلَ قولِه تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوااْ﴾ وقول الشاعر:
٢١١- وإنَّ الذي حانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهم * هُمُ القومُ كلُّ القومِ يا أمَّ خالدِ
والأصل: كالذينَ خاضُوا، وإنَّ الذين حانَتْ. وهذا وَهْمٌ فاحش، لأنه لو كان من باب ما حُذِفَتْ منه النونُ لوجَبَ مطابقةُ الضميرِ جمعاً كما في قوله: "كالذي خاضوا" و "دماؤُهُمْ"، فلمَّا قال تعالى: "استوقد" بلفظ الإفراد تعيَّن أحدُ الأمرين المتقدِّمين: إمَّا جَعْلُه من باب وقوعِ المفردِ موقعَ الجمعِ لأن المرادَ به الجنسُ، أو أنه من باب وقوعِ المفردِ موقعَ الجمعِ لأن المرادَ به الجنسُ، أو أنه من باب ما وقع فيه صفةً لموصوف يُفْهِم الجَمْعَ.
(١/١١٣)
---


الصفحة التالية
Icon