[وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "وهما اسمان رقيقان أحدهما ارقُّ من الآخر أي: أكثرُ رحمة". قال الخطَّابي: وهو مُشْكِلٌ؛ لأن الرقة] لا مَدْخَلَ لها في صفاتهِ. وقال الحسين بن الفضل: "هذا وَهْمٌ من الراوي، وإنما هما اسمان رفيقان أحدهما أَرْفَقُ من الآخر والرفق من صفاته" وقال عليه الصلاة والسلام: "إن الله رفيقٌ يحبُّ الرِفقَ، ويُعطي عليه ما لا يُعْطي على العنف"، ويؤيِّده الحديثُ، وأمَّا الرحيمُ فالرفيق بالمؤمنين خاصة.
واختلف أهلُ العلمِ في "الرحمن الرحيم" بالنسبة إلى كونِهما بمعنىً واحدٍ أو مختلفين. فذهب بعضُهم إلى أنهما بمعنى واحد كَنْدمان ونَدِيم، ثم اختلف هؤلاء على قولين، فمنهم مَنْ قال: جُمِع بينهما تأكيداً، ومنهم مَنْ قال: لمَّا تَسَمَّى مُسَيْلمة - لعنه الله- بالرحمن قال الله لنفسه: الرحمنُ الرحيم، فالجمعُ بين هاتين الصفتين لله تعالى فقط. وهذا ضعيفٌ جداً، فإنَّ تسميَته بذلك غيرُ مُعْتَدٍّ بها البتَة، وأيضاً فإن بسم الله الرحمن الرحيم قبلَ ظورِ أمرِ مُسَيْلَمَةَ.
ومنهم مَنْ قال: لكلِّ واحد فائدةٌ غيرُ فائدةِ الآخر، وجَعَل ذلك بالنسبة إلى تغايُرِ متعلِّقِهما إذ يقال: "رَحْمن الدنيا ورحيمُ الآخرة"، يُروى ذلك عن النبي صلَى الله عليه وسلم، وذلك لأنَّ رحمته في الدنيا تَعُمُّ المؤمنَ والكافرَ، وفي الآخرة تَخُصُّ المؤمنين فقط، ويُروَى: رحيمُ الدنيا ورحمنُ الآخرة، وفي المغايَرة بينهما بهذا القَدْر وحدَه نظرٌ لا يَخْفى.
(١/١٦)
---