وقرأ الجمهور: "تُقْسطوا" بضم التاء من "أقسط" إذا عدل، فـ"لا" على هذه القراءة نافيةٌ، والتقديرُ: وإنْ خِفْتم عدم الإِقساط أي: العدل. وقرأ إبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب بفتحِها من "قسط"، وفيها تأويلان، أحدهما: أنَّ "قَسَط" بمعنى جار، وهذا هو المشهور في اللغة، أعني أنَّ الرباعي بمعنى عَدَل، والثلاثي بمعنى جار، وكأن الهمزةَ فيه للسَلْبِ، فمعنى "أقسط" اي: أزالَ القسط وهو الجور، و"لا" على هذا القول زائدةٌ ليس إلا، وإلاَّ يفسدِ المعنى، كهي في قوله: ﴿لِّئَلاَّ يَعْلَمَ﴾. والثاني: حكى الزجاج: أن "قسط" الثلاثي يُستعمل استعمالَ "أقسط" الرباعي، فعلى هذا تكون "لا" غيرَ زائدة، كهي في القراءة الشهيرة، إلا أنَّ التفرقةَ هي المعروفة لغة.
قال الراغب: "القِسْط": أن يأخذ قِسْطَ غيرِه، وذلك جَوْرٌ، والإِقساط: أن يُعْطِيَ قِسْطَ غيره، وذلك إنصافٌ، ولذلك يقال: "قَسَط الرجل إذا جار، وأقسط: إذا عَدَل، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً﴾، وقال تعالى: ﴿بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
﴾. ومن غيربِ ما يحكى أن الحجَّاج لما أَحْضر الحَبْر الشهير سعيد ابن جبير، قال له: "ما تقول فِيَّ؟" قال: "قاسط عادل"، فاعجب الحاضرين، فقال لهم الحجاج: "ويلكم. لم تفهموا. عنه، إنه جعلني جائراً كافراً، ألم تسعموا قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً﴾ وقوله تعالى: ﴿ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ وقد تقدم استيفاءُ الكلام في هذه المادة في قوله: {قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ
(٤/٣٢٠)
---